Atwasat

ما لم أكتب في مفكرتي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 10 يناير 2023, 03:19 مساء
أحمد الفيتوري

ثمة مسائل تشغلني، خاصة في المجال المكون لهويتي، أي الإبداع، ما أجدني منشغلا به كل الوقت، وحتى عندما لا يكون ثمة زمن ولا مكان، فالمسائل الفكرية والعملية الإبداعية أجدها كما مناجاة النفس، وتبقي مسألة ما كما خيط تهجس به النفس، كما خيط دخان تطارده وأنت العارف أن لا مستقر له. هكذا شغلتني فكرة ما، فتمعنتها وقلبتني في فراشي كما وجه معشوقة ينأى، لكن النأي المستحب ما يؤرق لكنه أرق لا وحدة فيه، فالفكرة رفيقة تطاردها لا تمسك بها ولا هي تبتغي اصطيادك، لكن المدهش أن تكتشف أن دواعي السهد حبيبة تسكنك وقد ظننت أنها وجه جديد فإذا هي وجه سكن فيك.

كثيرا ما حدث أن تركب ظنونا تظنها طارئة، فإذا هي الفكرة الرفيقة الراسخة، هكذا تأملت بعض المسائل في الفكر والثقافة وبحثت فيها، وقد كونت الرأي الذي أظن أنه من بنات اللحظة، لكن أجد ذا الرأي مما شكل رؤيتي خاصة في الأدب من شعر وقصة وفي غيرهما.

وأتيقن من ذا حين أراجع أوراقي القديمة التي تقع بين يدي مصادفة، أندهش من وجود الورقة، حيث إني مثل أبي التاجر، من دائما لديه سجل ديون قديمة، لكن لا يرجع إليها ولا حتى يظن أنها صالحة للنظر فيها، فهي هوية ذبلت وأخذت مكانها هوية أجد.

المهم أن الوريقات القديمة سجلت واحتفظت ما ظننته جديدا، اكتشافها جعل بعض أفكاري جديدة قديمة، وهكذا المرء هو كما بنيان مرصوص، أساسه متين وإن تغيرت واجهاته، ومن هذا وريقات عتيقة، عمرها قارب أربعة عقود: انشغالي المنصب على الثقافة الليبية، جعل أسئلة محددة تبرز من ثنايا بحثي، فقبل ذلك وبعده، لابد من القول إن التحديد العلمي والموضوعي للمفاهيم، هو الذي يفرق بين الناقد المبدع وبين المبدع للشعر أو القصة وما إلى ذلك.

المهم أن هذا الانشغال طرح علىّ مشكل ما يمكن تسميته بإشكالية الهوية!.. هوية هذا النص، هل هو شعر أم لا، ومن أين يجيء الشعري فيه.. الخ؟.. وهوية هذا النص، هل هو عمل سردي، أين تكمن هذه السردية، وما علاقة هذه السردية بموضوعها، ومن ثم علاقات النص أو الكتابة بمكوناتها الأولى، أعنى بما قبل الكتابة مما يشف به النص، وهذا يطرح على كل ناقد باحث مدقق، ومشكل الهوية الذي يطرح نفسه بشكل أو بآخر، من خلال مفاهيم ومداليل وعلاقات يكشف عنها النص، الذي يطرح مفهومية ما للهوية أو لهويات ومفهوم ما للحداثة أو للحداثات، وتكون دلالات النص محملة بالعلاقة بين هذين المفهومين.

وفى النص الليبي، تبدو الحداثة وكأنها مرادف الهوية، أي أن الهوية وهم لابد منه لأجل الوجود، ويبدو أن هذه الضرورة فى هذا النص تكمن فى المستقبل.

إن العمل الإبداعي هو نفسه عمل نقدي، النص الشعري أو السردي محمل بدلالات نقدية، فأي كاتب قصة، عندما يكتب هذه القصة، يكتبها من خلال رؤية نقدية للنصوص الأخرى، فالمبدع يحاول أن يكتب نصه هو، أن يكتب مسروده في بنية قصة أو رواية، يكتب قصيدته وبالتالي تكمن فى كل كتابة رؤية نقدية ما، ولما يأتي الإعمال النقدي التحليلي للأعمال النقدية، فإن الناقد من جهته، يكشف ويحاور تلك الرؤية النقدية، الكامنة فى العمل الإبداعي المشار إليها.

ذات النص، ففي كل نص حقيقي نظرة نقدية عميقة، وقد تغيب النظريات النقدية المقننة، لكن لا تغيب الفاعلية النقدية، والنظريات النقدية بطبيعتها تهتم بالعام بالكلى، ويمكن أن يوجدها مفكر وباحث كبير فى أي مكان من العالم، وبالتالي يمكن دراستها والاستفادة منها وتوظيفها لدراسة نص ما.

فالنظريات النقدية أو المناهج النقدية ليست بالضرورة أن تكون فى البلد (س) أو البلد (ص) أو تكون عروبية الأرومة مثلا! كما يدعى العروبيون، أي نظرية خالصة خاصة عربية قحة!!، هذه نظرة عرقية ضيقة الأفق وعقيمة، وهي نتاج المثالية الألمانية والرومانتيكية الأوروبية، مصدر ومرجع الأصولية الدينية والقومية.

دراسات بأنها دراسات نقدية أوروبية، هكذا لا فاعلية إبداعية دون فاعلية نقدية، فالمبدع الناقد الأول والناقد مبدع بالضرورة.

ثم سكتت الوريقة القديمة عن الكلام، لكن فأر الجامع المثابر قادر على نيل مراده، فكل من جد حصد.