Atwasat

التشاؤل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 01 يناير 2023, 01:01 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

سنة أخرى تدبر، لاحقة بأخواتها من السنوات الغابرات. ها أنني أقفل السبعين وأدخل العقد الثامن من عمري. صرت أرى الموت يقبل ببطء، ولكن بدأب. وقد يزداد إيقاع خطواته سرعة وتصبح حثيثة إذا ما أصبت بمرض فتاك. فكما يقول طرفة بن العبد:

كل ابن أنثى، وإن طالت سلامته، يوما على آلة حدباء محمول وقد لا يتيسر له أن يحمل «على آلة حدباء».

أتفحص سجل انتصاراتي وهزائمي، فأجد القائمة الأولى قصيرة، مثل قوائم الأعمال المرشحة لجائزة ما، والثانية كثيرة العدد.

في قصة لي كتبتها بعد حوالي شهرين من وجودي في السجن عنوانها «الاحتشاد»، وهي أولى قصص مجموعتي القصصية الأولى «صناعة محلية» أقول: «يستلقي الرجل، آخر الليل، وحيدا، وكما البرعم، مضموما على نفسه: ينتقى ذكريات بها شيء من البهجة (تكون الحصيلة فقيرة جدا)».

وفي قصة أخرى عنوانها «سرير اللغة، أسرة الواقع» إحدى قصص مجموعتي الثانية «منابت الحنظل والشيء الذي ينأى» أقول: «وهو قد تكون مرت في حياته أسرار ما ذات علاقة بمسرات (كفضالة الزيت في الخابية) منتجة لسرور ما (كالفاكهة المعطوبة)». وإذن، فذكريات البهجة والمسرات في حياتي لم تكن صافية رقراقة.

ليكن، مع ذلكن فما دمت ما أزال حيا، لا يمكن أن تكون حياتي خلوا من الانتصارات تماما.

انتصاري الوحيد الباهر هو بقائي على قيد الحياة بتوازن عقلي ونفسي عائشا بكرامة غير منكورة. لم تعد لي أحلام وآمال كبيرة. فلقد ضمرت وتقلصت وصغرت وتراجعت. صرت أرضى بالإياب سالما* واستعادة قفتي بدون عنب** وحصولي على خفي حنين***، مقابل ناقتي، أفضل من عودتي حافيا.

هل هذا تشاؤم؟ لست أدري. لكنني أرجح أنه كذلك. إلا أنه، في ما أعتقد وأرغب، ليس تشاؤما مرضيا ناتجا عن مزاج سوداوي. وإنما هو تشاؤم حتمته، وتحتمه، الظروف المحيطة المعاكسة، بحيث يصبح التغاضي عنه سلوكا غير عقلاني، وحتى غير سليم.

فالتفاؤل ينبغي ألا يكون مجرد عناد إزاء الواقع وما يدفع إليه من تشاؤم ونكاية فيه، وإنما ينبغي أن يكون منطلقا من معطيات واقعية ومنصة منطقية وعقلانية.

بيد أنني إذا كنت متشائما، أو ضئيل الأمل، على الصعيد الشخصي، فأنا متفائل بحركة التاريخ، رغم كل ما يلوح من مخاطر على الوجود البشري برمته.

لعلي أشبه في ذلك سعيد أبي النحس المتشائل، بطل رواية الكاتب الفلسطيني أميل حبيبي التي بنفس العنوان، حيث ينحت أميل حبيبي صيغة جديدة تمزج بين المتشائم والمتفائل.

* «رضي من الغنيمة بالإياب». مثل عربي.
** «اعطيني قفتي، ما بغيت عنب». مثل ليبي.
*** إشارة إلى المثل العربي المعروف «عاد بخفي حنين».