Atwasat

قدوة تحتذى

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 18 ديسمبر 2022, 03:55 مساء
عمر أبو القاسم الككلي


منذ صباي، وجدت في نفسي ميلا إلى خوض النقاشات والجدالات، وأرجو أن يُفهم هذا بعيدا عن أي ادعاء عبقرية مبكرة، وإنما هو مجرد انتباه وميل. كيف حدث هذا الانتباه وهذا الميل، تلك مسألة أخرى لا يمكنني تحديد سببها.

طبعا، في البداية كنت أتحمس وأنفعل وكان صوتي يعلو، لكن لم يكن هناك تعدٍ على الآخر وتجريح له، مع مرور الوقت، عبر سنوات، صارت طريقتي في النقاش تهدأ وتترصن وتصبح أكثر التزاما بقواعد النقاش المثمر.

عندما أصبحت أكتب مقالات أسبوعية انخرطت في الكثير من النقاشات والسجالات ضد توجهات فكرية معينة، أو مع أشخاص معينين.

وأكثر اثنين دخلت معهما في نقاشات وردودهما الصديقان العزيزان سالم العوكلي ومحمد خليفة، وكلاهما غزير الثقافة وذو اهتمام كبير بالمسائل الفكرية.

أنا وسالم العوكلي يجمعنا إطار فكري عام واحد، وخلافاتنا جزئية، تعلقت بموضوعين سياسيين خاصين بليبيا، أولهما كان حول حدث معين هو الهجوم على طرابلس الذي جرت وقائعه سنة 2020، والثاني حول وضع الملكية في ليبيا.

بيد أن ما بيني وبين محمد خليفة يتعدى مجرد الخلاف إلى الاختلاف، أي أننا ننطلق من إطارين فكريين متباعدين ومتعارضين. وهذا الاختلاف والتباعد والتعارض الفكري لم يمنع من أن تنعقد بيننا صداقة حقيقية ملؤها الود والتقدير، فلقد دخلت بيت محمد خليفة عدة مرات وأكلت من طعامه وتعرفت على أبنائه.
ما أريد التركيز عليه هنا أن نقاشاتنا أنا وهذين الصديقين العزيزين كانت بالغة الرقي في قبضها على البعد الأخلاقي الذي ينبغي الالتزام به في هذا الخصوص، وقد أشار كلاهما إلى هذه الناحية في كتابتهما.

في حالة نقاشاتي مع سالم العوكلي (في إطار الخلاف) يكون من السهولة بمكان الحفاظ على الرصانة والقواعد التي تنبغي مراعاتها في هذا الشأن، لكن في حالة نقاشاتي مع محمد خليفة (في إطار الاختلاف) يحتاج الأمر إلى صدر بالغ الرحابة ونفس متعالية مترفعة عن الجوانب الشخصية، وقد امتدحني امتداحا مبهجا في مقالين له دون أن يمنعه هذا من الاعتراض على بعض جوانب تفكيري وطرحي*. وفي الحالين أرى أن النقاشات التي دارت بيني وبين سالم العوكلي، وكذلك بيني وبين محمد خليفة، تتمسك بمقولة «الخلاف لا يفسد للود قضية»، وأحب أن أضيف «الود لا يلغي الخلاف»، ولذا يمكن أن تمثل نقاشاتنا قدوة تحتذى لدى الشباب الذين يتلمسون طريقهم في مجال النقاشات الفكرية بحيث تكون نقاشاتهم مثمرة على الصعيد الفكري، وبالتالي مثرية للحركة الفكرية.

* انظر مقاله الأخير بـ"بوابة الوسط". محمد خليفة: المجنون عمر الككلي. بوابة الوسط.
https://alwasat.ly/news/opinions/381690?author=1