Atwasat

لغة جديدة.. شخص جديد

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 11 ديسمبر 2022, 03:20 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

أستاذ بقسم الآثار في كلية الآداب، جامعة بنغازي (قار يونس منذ أبريل 1977 وحتى 2011) في أول محاضرة له، عرف بنفسه ثم قال، أنت تتكلم لغتك فقط فأنت تساوي شخصا واحدا. تتكلم لغة أخرى إلى جانب لغتك فأنت تساوي شخصين. كل لغة تتكلمها إضافة إلى لغتك تضيف إليك شخصا جديد. انا أتكلم إحدى عشرة لغة!
قرأت معظم أعمال جي. إم. كوتسيةJ.M. Coetzee ، الكاتب الجنوب الأفريقي الحائز على جائزة نوبل في الأدب سنة2003، من ضمنها كتابان نقديان، فانتبهت إلى إجادته عدة لغات حيث إنه في بعض مقالاته كان يشير إلى أخطاء في ترجمة رواية من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى، أو يقارن بين ترجمتين في لغتين مختلفتين لرواية من لغة ثالثة.

الدكتور الليبي محمد المبروك الدويب، أستاذ اللغات القديمة بقسم التاريخ والآثار- كلية الآداب- جامعة طرابلس، والذي ترجم للقراء والباحثين العرب كتاب «تاريخ هيرودوتوس» عن الإغريقية مباشرة، يجيد الإغريقية واللاتينية والإنجليزية والإيطالية واليونانية الحديثة.
وطبعا، يوجد سوى هؤلاء من متعددي اللغات كثيرون في جميع أنحاء العالم.

أنا أغبط هؤلاء على هذه الموهبة والقدرة والفرص التي أتيحت لهم لتحقيق هذا الهدف. ومن ناحية أخرى أتخيل ما يعتريهم من حيرة وارتباك إذا ما قرروا المتابعة بعدد اللغات التي يجيدونها، إذ إن ساعات اليوم على كوكب الأرض لا تكفيهم لقراءة للإيفاء بهذا الهدف!

لكنني، رغم ذلك، أغبطهم على حظهم هذا. وقد وضعت نهايات التسعينيات مشروعا لنفسي يستهدف تعلم عدد من اللغات في بحر عشر سنوات، بجهود ذاتية محضة تساعد عليها ما توصلت إليه التكنولوجيا المتطورة من تسهيلات وأدوات. فقررت البداية باللغة الإسبانية حيث أخصص لها سنتين، ثم الانتقال إلى الإيطالية والبرتغالية والفرنسية (سنة لكل منها لاشتراكها في الأصل اللاتيني، وبالتالي تقاربها). ثم الانتقال إلى لغة أو اثنتين غيرها. فاشتريت قرصين مضغوطين يعلمان الإسبانية، وعثرت على قاموس بسيط إسباني عربي، كما عثرت على برنامج لتعليم الإسبانية مسجل على أشرطة من إعداد القسم العربي بإذاعة إسبانيا، وسحبت من النت بعض قصائد لوركا ونيرودا، وخصصت حوالي ساعة يوميا للتعلم والتدرب على الكتابة لمدة حوالي شهرين. لكن، حدث انقطاع، استمر حتى الآن! ونسيت ما استوعبته حينها، وأجهض المشروع.

في السجن حاولت أن أحارب وطأته بأن أغنم منه في صراعي معه شيئا. وتصادف وجود بعض المواد بالإنجليزية وقاموس المورد إنجليزي- عربي، فقررت تعلم الإنجليزية. من ضمن المواد الإنجليزية التي كانت موجودة لدينا جزء أو اثنان من كورس تعليمي صادر في طبعته الأولى سنة 1948. كان كورسا مهما فعلا وسلسا وجذابا. فبدأت بأعلى جزء موجود لدينا وهو الجزء الرابع. كان غنيا وممتعا.

هناك ظاهرة لطيفة في السجن، وهي يكون ثمة كتاب أو شيء مهمل ويعن لأحد ما استخدامه، فتستثار رغبة الكثيرين في فعل نفس الشيء. لذا، بعد فترة طلب مني آخرون تسليمهم الكتاب لأن لديهم برنامج تعلم! وقد بقي لديَّ وقتا طويلا. طبعا سلمت الكتاب.


لحسن حظي كانت توجد رواية مهملة عنوانها «هي She» لكاتب إنجليزي اسمه هـ. رايدر هاغارد H. Rider Haggard (1856- 1925). فقررت «الإقدام» على قراءتها، حتى أن زميلا ظريفا كان يقول عني ممازحا، أخذوا منه كتاب إز وآر، فقرر الدخول على رواية. كانت الرواية طريفة، تجري معظم أحداثها في أفريقيا. فيها قدر من العجائبية، لكن لغتها كانت جميلة فعلا وغنية بأسماء عناصر الطبيعة. كانت فصولها قصيرة. فكنت أقرأ (بمساعدة القاموس طبعا. حتى أن زميلا كان جالسا بجانبي مرة وأنا أقرأ قال لي ممازحا، أنت تقرأ في الرواية وتنظر في القاموس، أم تقرأ في القاموس وتنظر في الرواية!). كنت أقرأ الفصل عشر مرات كي أتأكد من استيعابي لكل المفردات التي لم أكن أعرفها من قبل. لكن، في الفصول الأخيرة كنت أقرأ الفصول عددا من المرات، وعند القراءة التي أجد فيها أن الفصل تصفى ولم يعد يوجد به مفردة نسيت معناها، أكتفي بقراءته بعد ذلك مرتين فقط.