Atwasat

الفرص الضائعة

رافد علي الخميس 08 ديسمبر 2022, 01:35 مساء
رافد علي

لا يزال العالم يتحدث عن الفرصة الضائعة في ليبيا بعد أن ضاعت عشرات الفرص بذات البلاد، وأصبحت خارطة الطريق التي رسمها قرار مجلس الأمن 2510 للعام 2020 محصورة في الشماعة السياسية المختصرة في عبارة «الحفاظ على زخم الانتخابات»، التي يتحاشى رجالات المشهد الليبي الإقرار بأنها انتخابات أضحت في كنف المجهول، بسطوة الفساد المفصح عنه، والفساد الآخر الذي لا يزال مجلس الأمن يتحفظ عليه كوثيقة رسمية في الملحق رقم 13 للوثيقة الأمامية S/2021/229.

مجلس الأمن الذي يستعد لجلسة الإحاطة الثانية للاستماع لآخر المستجدات في جهود السيد باتيلي، يدرك الأعضاء فيه بأن ليبيا تراوح مكانها في مجالات السياسة وحقوق الإنسان. وتتجدد، بالتالي، عراقيل الانسداد الحالي ليجمد، تباعاً، أي إجراء فعلي نادى به أي تصريح دولي قاضٍ «بضرورة العمل على عقد انتخابات في أقرب الآجال» ليتضح أنها آجال مفتوحة الآفاق بما يتجاوز موقع التليسكوب الدولي جيمس ويب.

في ظل غياب الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، واستمرار تربع أرباب الأزمة الليبية بشرق البلاد ووسطها وغربها في مناصبهم، ستبقى الفرص بليبيا في مهب الريح، ونحن على أعتاب عام جديد، لم تحقق فيه البلاد إلا المزيد من الاصطفاف الإقليمي بين شرق عربي، وآخر مغاربي، كما يتبدى من الأحوال كانفتاح عبد الحميد الدبيبة على تونس، وتجديد عقيلة صالح لروابط الثقة والصداقة والتشاور مع معسكر الشرق.

يحدث كل هذا في ظل غياب رؤية دولية حقيقية في ليبيا رغم العبث الانقسامي المترسخ برجالات المشهد الذين يمارسون فتح كل الآجال على أقصى مدى، ويتفرج العالم على المآل السياسي بليبيا بفواجعه، ويشاهدون عمليات تهريب السلاح إلى أرض تعيش تهدئة تحرص جداً واشنطن عليها كخيار جوهري فى مرحلة متسمة بجمودها السياسي، رغم ضبابية الأمور فيها وبؤسها المعيشي، وبكل انتهاكات حقوق الإنسان فيها، بل ومرحلة تتجدد فيها التلويحات السياسة من عسكر يصرحون بحماية أي انقسام أو انشقاق أهلي قد يحدث بغرب البلاد!

من المؤكد أن واشنطن حتى اللحظة لا تضغط فعلياً لأي تسويات راسخة بليبيا، وتكتفي بلعب دور المكوكيات لاستطلاع المواقف بالعواصم الفاعلة بالأزمة الليبية لأجل كسب أقصى عُمر للتهدئة على هامش انشغال حلفائها الأوربيين في حرب أوكرانيا.

عبثية التفاؤل بـ «الآمال المتجددة» في ليبيا الحاضر، باتت روحًا لليائس، وللآخر الذي يمسك بالعصا من المنتصف، ويُرحل دور الجزرة لمواعيد آجلة وغير معلنة في خارطة طريق لا حقيقية أولاً، ولا حيوية ثانياً لأجل الخروج من مستنقعات الخسارة والفساد وحكومات اللا معنى في بلد يتخبط داخلياً باضطراد، وينقسم بين قوى إقليمية مشرقية محافظة لها سطوتها على القرار العربي، وأخرى مغاربية تسعى لخلق بديل لاتحاد مغاربي مشلول.

ليبيا بواقعها الحالي لن تحقق خطوة جادة واحدة نحو استقرارية ناجعة، فلا يمكن التعويل للخروج من مأزقنا الراهن إلا بالدفع بوجوه جديدة وشابة، «تقطع التابعة» كما يُقال، ولا تمارس البزنس في السياسة، ولا تُنصب ذاتها راعية لحقوق العسكر، ولا رجال دين يعتقدون بأنهم امتلكوا مفاتيح الخلاص الرباني فى ميتافيزيقيا دولة الشرع الإلهي.

رجالات المشهد الجاثمون على أنفاسنا اليوم، في آخر الأمر، هم حالة انعكاس للاحتقان السياسي الدولي المسيطر على أقطاب مجلس الأمن الدولي، ففي ليبيا صار الجمود الدولي سياسياً يعكس الجمود الداخلي، رغم اتهامنا لهذه الوجوه بأنها تعمل لأجل إبقاء الوضع على حاله.

 فالتحالفات القائمة على الأرض بالبلاد مع القوى المنخرطة بليبيا في حالة عاجزة عن خلق أي اختراق سياسي وتكتفي بتعزيز مواقعها السياسية الأساسية سواءً بالاتجاه نحو شرق ليبيا أو غربها كما تكشف أخبار الساعة.

فليس هناك نزعة حقيقية عند أربابنا الليبيين في اقتناص الفرص وخلق مخارج للأزمة، ولو بشكل جزئي فيها بما يكسر الجمود ويمنح فرصة يمكن الالتفات إليها والحديث فيها عن فرصة تتجاوز أي دعاية إعلامية.

ستضيع الفرص تلو الفرص في ليبيا بمسميات مختلفة تليق بسمات المراحل التي نعيشها منذ فبراير، كالدم والعبث والارتجال والعناد والإفلاس السياسي المشوب بجمود مقصود، لكنها مراحل تكشف عن عوز ليبي، شديد الصراحة والبيان، في القدرة على خلق مشروع وطني حر ومستقل ينأى بالبلاد عن نهج الانقسام والاصطفاف والفساد وحالة العار المعاش ليبياً.

فلا فرص في أي سراب، ولا زخم لأي عملية سياسية معوزة لرجال يدركون أن التضحيات ثمن مستحق فى كسر أي جمود سياسي وخلق تسويات مُرضية.