Atwasat

(محترقاً في ماء..)

رافد علي الخميس 01 ديسمبر 2022, 04:55 مساء
رافد علي

غرقت عديد المدن الليبية بسبب الأمطار التي هطلت مطلع الأسبوع الجاري، وأربكت المواطن والحياة العامة، كما شهدت العاصمة، جراء تلك الأمطار، إرباكاً في حركة المرور والسير، ما اضطر السلطات المختصة لوضع تحويلات مرورية استثنائية مما يؤكد أن المشاريع المنفذة باسم حكومة الوحدة الوطنية، كالطرق الجديدة و«الحديثة» محض مشاريع للدعاية السياسية، ولا تلامس المشاكل الجذرية والعويصة المتعلقة بالبنية التحتية والتي تعانيها مدن غرب البلاد، ولا بالعاصمة المختطفة بشرعية الميليشيات باعتبارها أمراً واقعاً والعنصر الفاعل في تفاصيل حيوتها.

لقد غرقنا في شبر ماء كما يقال، بل وفي أقل من شبر مائي، لأن معدل هطول الأمطار، بحسب المعلومات المنشورة لم يتجاوز 5 ملم، لتبدو الصورة الليبية بعد المطر المطلوبة بصلاة استسقاء، أن البشر بالبلاد «محترقاً في ماء وغريقاً في لهيب»* أزمة تتفاقم تفضح رجالات المشهد البائس في كل شيء.

للسيول الجارفة دورها في حالة الإرباك العامة، فقد نالت حصتها في جرف الضحايا وممتلكات البشر، وشاعت بين الناس؛ بحكم فوضانا العارمة وغياب أي استعداد حكومي احترازي محترم لاحتواء الكارثة، إن سد المجنين قد انهار، وهو ما نفته السلطات المختصة لاحقاً، ودون أن تتناسى بعض الجهات العامة التأكيد بأن الكارثة تزيد من تفاقم الأزمات التي يواجهها الناس في مدن غرب البلاد التي عايشت مناشدات هيئة السلامة الوطنية لحكومة الوحدة الوطنية بضرورة دعمها والوقوف على مطالبها لتجاوز المعضلات التي تقف في وجهها، وهو ما يعني أن الهيئة المذكورة، كمؤسسة حكومية، لا تزال لم ترق في سلم أولويات خطط المشاريع الرامية، على ما هو بيّن الآن، للدعاية السياسية لصالح الحكومة، أحد الشخوص الماثلة في الانسداد السياسي الراهن، بما يسوده من شبهات فساد تلاحقهم جميعاً في الشارع قبل أي تصريحات رسمية وبيانات عامة متداولة على نطاق واسع.

صلاة الاستسقاء التي تنادت لها مدن مختلفة في ليبيا هذا العام، كعادتها بسبب الجفاف والقحط، لا شك في أنها صلاة تؤكدها السنة النبوية في تراثنا المأزوم اليوم مع ذاته أمام عالم يتغير بشكل مضطرد وسريع، مما يجعل النداء للاستسقاء حالة عادة يُنادى لها، كل عام تقريباً، رغم إدراكنا لحالة بنيتنا التحتية المتهالكة، وغير مبالية بعد للمآسي التي تلحق بالحياة عموماً بسبب غياب برنامج عمل وخطوات احترازية متأهبة لأي طارئ كالسيول وانسداد الطرقات العامة بسبب تهالك شبكات الصرف الصحي وعدم تطوير مشاريع الأودية والسيطرة على مجاري السيول.

صلاة الاستسقاء، كصلاة، تتشابه كثيراً مع صلاة العيد في قيامها وتكبيرها وقرآنها ودعائها وخطبتها، أضحى الحال فيها اليوم أن يكون على رجالات الدين أن يدعوا فيها العالي سبحانه بأن يصلح الله حال مشاريع الصرف الصحي، بدلاً عن الدعاء بأن يصلح الله حال المسؤولين، طالما أن التحالف السياسي - الديني هو رأس الأمر بحكومة غرب البلاد، وطالما أنهم، باللحظة ذاتها، يصرون على النداء لصلاة الاستسقاء كسبيل للتعبئة الروحانية لشعب لا يزال يتيماً على باب الله.

أمام كل ما يجري بالبلاد من مآسٍ ماثلة لأي شاهد، وفواجع متجددة، وفساد وتلاشٍ مستمرين بسبب الصراع على السلطة والكعكة فيها، بات جلياً أن التبلد السياسي روح تترسخ على مدى مفتوح الآفاق كما في أي بلد متخلف، لا يصون حرمته وليس حريصا على سمعته بين دول، وغير مبالٍ بسلامة مواطنيه. لقد أضحت ليبيا في الحضيض لدرجة مؤسفة ومحزنة، بينما يخادع أربابنا أنفسهم أمام مراسم استقبالهم خارجياً، وأمام حفاوة الأبهة الكاذبة في مراسم حضورهم بمدن الداخل، فإلى متى تغوص ليبيا في مستنقع الوهم والوهن والغفلة والبطلان و«الاستكراد» للناس والبلاد؟!

هامش:
*قصيدة نثرية للأديب الأميركي تشارلز بوكوفسكي 1920- 1994.