Atwasat

7 سنوات.. بحثاً عن الحقيقة

حمدي الحسيني الإثنين 28 نوفمبر 2022, 04:22 مساء
حمدي الحسيني

ميلاد جريدة - أي جريدة – يشبه ميلاد الإنسان، دائماً لحظة الميلاد تكون مصحوبة بالترقب المشوب بالفرحة والقلق.. وكما أن عملية الولادة تسبقها فترة التكوين بالنسبة للجنين؛ فإن الجريدة بالمثل تسبقها مراحل فنية معقدة تبدأ باختيار «الماكيت» وشكل ومحتوى الصفحات وباقي التفاصيل المعروفة من التحضير والتخطيط والاستعداد، ثم أيام الانتظار والتوتر التي تترقب دوران المطابع إيذاناً بلحظة الميلاد، وخروج العدد الأول إلى النور.

في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات وفي تمام الساعة الثامنة مساءً، لم أستطع الانتظار في المكتب حتى تنتهي مطابع الأهرام من طباعة العدد الأول من «الوسط»، فقررت أنا ورئيس التحرير، صديقي بشير زعبيه، التوجه إلى مقر المطبعة في شارع الجلاء.

وكأننا أمام غرفة العمليات، نفس مشاعر القلق والتوتر التي عادة يعيشها الأب وهو ينتظر بشارة ميلاد طفله الأول.. لم نستطع الصبر حتى يأتي دور جريدة «الوسط» في الطباعة، وصعدنا إلى المطبعة، ووقفنا إلى جانب عامل الطباعة، ننتظر بشوق حركة سير المطبعة، وهو يحمل النسخة الأولى من جريدة «الوسط»، فتلقّفنا أول نسخة بطيف هوامشها، كأننا لا نصدق عيوننا.. أخيراً الجريدة بين أيدينا، بعد أن تحولت من مجرد مجموعة من الأفكار والأوراق إلى كائن مكتمل.

لن أنسى تلك اللحظة ونحن نتبادل النظرات في صمت، كأننا في حلم أوشك أن يتحول قبل لحظات إلى واقع، نلمسه بأناملنا ونتأمله بعناية، كأننا نفحص مولودنا الذي خرج للتو من غرفة العمليات، تبادلنا الملاحظات ثم دخل الليل وعاد كل منا إلى بيته وبين يديه النسخة الأولى من الجريدة التي طالما سهرنا من أجل أن ترى النور.

بالطبع لم تكن «الوسط» تجربتنا الأولى في هذه المهنة التي نعشقها؛ لكن تظل لها خصوصيتها ونكهتها وأجواء العمل التي تميِّزها عن غيرها من التجارب الأخرى.

تمضي الأيام مسرعة، ونحن في بوابة «الوسط» أو في الجريدة نتابع على مدار الساعة مع فريق من الزملاء المحترفين الأحداث المثيرة التي تعيشها «ليبيا»، متمسكين بقواعد مهنية منضبطة جرى الاتفاق عليها منذ اللحظة الأولى، بحيث يكون الخبر المجرد هو هدفنا، لا ننحاز إلى هذا أو ذاك على حساب الحقيقة؛ بل حجزنا موقعنا في الوسط بالفعل في ظل حالة الاستقطاب التي فرضتها حالة الصراع في المشهد الليبي العام على المناصب والغنائم في البلاد، وعشنا على مدى السنوات السبع تجربة صحفية مميزة مع مهنة نحبها، ورافقنا فيها زملاء من مختلف المدارس والتوجهات، التزم الجميع بخلع عباءته السياسية، وترك قناعاته الأيديولوجية، وتدثر بأسلوب «الوسط» بمرجعية الإعلامي، رئيس مجلس الإدارة، الأستاذ محمود شمام.

وانطلاقاً من قاعدة راسخة بأن العمل الصحفي، هو في الأساس عمل جماعي، ولا يمكن لأي صحفي مهما امتلك من مواهب وقدرات خارقة أن يصدر بمفرده جريدة ناجحة، فقد طبقنا في «الوسط» هذه القاعدة بحذافيرها، فلم نهمل دور أي قسم من محرري الصفحات والإخراج والدعم الفني والتدقيق اللغوي، كل الترتيبات تجري بطريقة سهلة ميسرة بدعم وقيادة رئيس التحرير، الذي حرص على أن تجري دورة العمل التحريري بهدوء وسلاسة.

ونظراً للظروف الاستثنائية التي تعيشها ليبيا، وهو ما استدعى صدور «الوسط» وبشكل موقت من القاهرة؛ فإن المراسلين على الأرض في مختلف مناطق البلاد كانوا ولا يزالون الجنود المجهولين الذين يعملون في ظروف صعبة وأجواء يمكن وصفها بالخطيرة في كثير من الأحيان، فهؤلاء هم الوقود والذخيرة الحقيقية التي تمد فريق «الوسط» في القاهرة بالمادة الخام التي سرعان ما يجري التعامل معها بمهنية وإخلاص لتشكل محتوى المادة الصحفية التي يقرأها الرأي العام في الموقع والجريدة على مدار الساعة.

بالطبع نجاح تجربة «الوسط» - موقعاً وجريدة - لا يمكن عزلها عن إدارة رشيدة رسختها الأستاذة هدى الصويغ، المدير العام لمؤسسة «الوسط»، إذ كانت ولا تزال دائماً عوناً لاحتياجات العمل.. تهيئ الأجواء المناسبة لبيئة عمل تدفع الجميع إلى التفاني والإبداع، وتقديم أفضل ما لديهم من خبرات وتجارب، بهدف نجاح «الوسط» لاستكمال مسيرتها في تقديم خدمة صحفية مهنية محايدة، للقارئ الليبي، دون أن تصطف لغير المصلحة العامة للوطن والمواطن.