Atwasat

وسط التجربة

رافد علي الخميس 24 نوفمبر 2022, 12:31 مساء
رافد علي

تحتفل جريدة «الوسط» بالذكرى الثامنة لصدور عددها الأول، والذي جاء بعد ثلاثة أعوام من اندلاع فبراير، أي بعد أن اتفق معظم رجالات الإعلام والثقافة بليبيا على أن الطفرة الصحفية التي تحققت بعد انهيار النظام السابق كانت فضاء يتراوح بين الفسحة الشاسعة والفوضى والعشوائية لأسباب متعددة.

جاء صدور بوابة «الوسط» في ليبيا المفتوحة على كل الاتجاهات بقصد الظهور بروح مهنية تسمح لها بالاستمرار كصحافة محترفة ومنفتحة على الجميع، وهي العناصر التي افتقدتها العديد من المطبوعات والمواقع الليبية التي راجت بتلك الفترة، والتي برز في شق من تلك الطفرة «صحافة المواطن»، الأمر الذي جعلها إصدارات حبيسة التوثيق والتكرار وانعدام المضمون المتميز بسبب غياب المهنية والخبرة بحسب ما هو موثق اليوم من بيانات وتصريحات.

المرتبة المتقدمة التي حققتها حرية الصحافة بليبيا حينها وفق التقارير والإحصاءات الدولية المنشورة سرعان ما تراجعت لأسباب أمنية وإدارية ومالية، وأضحت أحوال الصحافة تتقهقر بسبب الانقسامات والعنف والحروب والموقف المعادي لحرية الكلمة، وبتنا نعيش في بلد ممزق لا تزال الصحافة الساعية لخلق رأي عام غائبة في ظل أزمة ليبية لا تزال تتفاقم على كل الأصعدة.

انتهزت زيارة عمل للعاصمة المصرية القاهرة أواخر يناير 2020 للقاء الصديق الإذاعي أحمد المقصبي الذي كان يعمل براديو «الوسط» حينها فقدمني لمدير تحريرها، واقترحا عليَّ أن أشارك في الكتابة بـ«الوسط» فرحبت بكل سرور، فهي المرة الأولى التي أتعامل مع جريدة عربية بشكل مباشر، رغم عملي سابقاً كمراسل صحفي ببريطانيا لوكالة أنباء إينا الدولية، إحدى المؤسسات التابعة لمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي، وقد نشرت العديد من التقارير الصحفية بجرائد مختلفة بالنصف الأخير من التسعينيات وأوائل الألفية قبل أن توصلني الأقدار للاستقرار بفرنسا بحكم العمل والإقامة.

كان أول تواصل لي مع جريدة «الوسط» عبر اتصال هاتفي بالماسنجر مطلع سبتمبر عام 2016 حينما اتصل بي رئيس تحرير بوابة الوسط الأستاذ الكريم بشير زعبية مستفسراً عن ترجمة نشرتها بصفحتي على «فيسبوك» حينها لمقتطفات من لقاء صحفي أجرته جريدة الليموند الباريسية مع وزير الخارجية المصري سامح شكري على هامش زيارة خاطفة لباريس، والتي صرح شكري بتلك المقابلة أن «مصر تدرس طلباً عسكرياً ليبياً لمساعدتهم لحماية مؤسساتهم الشرعية»، وهو ما عُد باكورة الإعلان عن الدعم المصري بموافقة فرنسية لحرب الكرامة ضد الإرهاب بشرق ليبيا، ولم يكن في تصوري حينها أنه ستسمح لي الفرص مستقبلاً بالكتابة بـ«الوسط» إلى جانب جوقة من الأسماء الليبية المعروفة في عالم الكلمة بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم وخبرتهم.

تجربتي في الكتابة بجريدة «الوسط» تجربة مختلفة نوعياً لأنها فتحت نوافذ للتواصل مع بعض كتابها والاستفادة من خبراتهم ونصائحهم، كما أنها منحتني، كشاب ليبي مغترب، براحاً لإفراغ شحنة نفسية عبر التعاطي مع الشأن الليبي المتأزم باستمرار، يلاحق تفاصيل أزمة بلاده في مسلسل الترقب والحذر وحتي الضجر من أرباب الجمود فيه، خصوصاً وأن الأزمة الليبية بحساسيتها في المنطقة تظل صحافتها الوطنية تكابد محنتها العسيرة، وظروفها الخاصة، وكل تخبطاتها في واقع عاصمة مختطفة وبلد ينزلق نحو المجهول.
في العيد الثامن لجريدة «الوسط» تظل القلوب معلقة على جهدها لإعطاء لمحة على أن بليبيا أناساً يسعون نحو عالم الحرية ونقش الكلمة والرأي الآخر فى وجه العبث والفوضى والإقصاء والعنف.
فكل عام للجميع، وليبيا وأن شق المسير.