Atwasat

فوق سطح القانون

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 13 نوفمبر 2022, 09:38 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

في الأنظمة الشمولية يوجد أشخاص، من العسكريين والأمنيين بالذات، يكونون فوق سطح القانون، وليس تحت سقفه، فينجون من أي عقاب على ما يقترفونه من انتهاكات وجرائم ضد البعض، لأن رأس النظام يكون قد اصطفاهم ليكونوا أذرعا ضاربة يستخدمها متى شاء لتنفيذ سياساته ورغباته، وحتى ونزواته. ولا يتعرض أحدهم إلى العقاب على جناية ما ارتكبها إلا إذا رأى رأس النظام أنه "حصد فوق يده"* مثلما يقول التعبير المتداول واستشعر منه نشوزا أو خطرا. فهم مخولون بالتعدي والانتهاك والإجرام ويرتكبون أفعالهم هذه إما بضوء أخضر من الزعيم أو القائد أو بتعليمات مباشرة منه، من مثل حوادث القتل والاختطاف والتعذيب التي كانت تقوم بها عصابات "اللجان الثورية" والأجهزة الأمنية بليبيا بإذن من معمر القذافي ومباركة منه.

لا اريد هنا أن أورد أمثلة لحوادث ووقائع من هذه الجرائم، وسأكتفي بإيراد مثال على مدى العجرفة والشطط الذي ينتهجه مثل هؤلاء الأشخاص:
بعد عصر يوم 2 مارس 1988، جمعونا في الساحة للاستماع إلى خطاب معمر القذافي بمناسبة ذكرى إعلان "سلطة الشعب"، الذي سيلقيه في جلسة "مؤتمر الشعب العام" وسيعلن فيه، حسب ما أُبلغنا الليلة السابقة، قراره الإفراج عنا، نحن المساجين السياسيين.
جلسنا في الساحة المعبدة، بعضنا يفترش بطانيته، نتابع الخطاب.

لاحقا، طُلب منا الوقوف مصطفين وسط الساحة تحت الشمس، حيث كنا نجلس أثناء متابعتنا الخطاب، في مواجهة شخصيات مسؤولة تقف لصق الحائط المقابل مشمولة بظله، أهمهم خليفة حنيش وخيري خالد.

بادر خليفة حنيش (الذي أُثر عنه أنه يعرف الثورة بأنها "تريس باركة على تريس") بالكلام. أطلق علينا وابلا من التهديدات والسباب والإهانات، بما في ذلك لفظان نابيان تشملهما قوانين القذف النافذة في التشريعات الليبية. (للإنصاف، لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة)، وبصق (بصقة ممتلئة) باتجاهنا، مكررا التهديد والوعيد والازدراء. في حين تكلم خيري خالد بهدوء وقدر عادي من اللياقة وطلب منا أن نتعاون معهم!

الاندهاش الذي مازال ينتابني حتى الآن:
إذا تعامل معنا خليفة حنيش بهذه الوقاحة والعنجهية، ونحن مفرج عنا بمقتضى خطاب رسمي مبثوث إلى أصقاع الأرض كافة، من قبل سيده أو قائده وولي نعمته، فكيف يكون تعامله مع من يجلبونهم إليه من الشارع مباشرة.

* تعبير شعبي كانت تقوله لي أمي وأنا طفل، وتقصد به أنني تجاوزت حدودي. أنا لي تجربة في الحصاد وأنا وأنا طفل، واكتشفت أن الحصد فوق اليد فعل مستحيل.