Atwasat

البصمة الكربونية بليبيا

رافد علي السبت 12 نوفمبر 2022, 11:11 مساء
رافد علي

يقصد بـ«الحياد المناخي»، وفق تقارير الأمم المتحدة، التحول إلى اقتصاد بصافي «صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة» عبر قياسها وموازنة معدلاتها بتدابير احترازية ووقائية، بمعنى أن حرق الوقود، مثلاً، وجب أن يقابله إجراءات أخرى مثل زراعة الأشجار لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

وفي سبيل الوصول لأفضل معدلات الحياد الكربوني تعلن الدول والشركات اليوم تتبعها بصماتها الكربونية لتحقيق أكبر قدر ممكن للحصول على منتجات نظيفة لغرض الوصول إلى أقرب نتيجة للانبعاث الصفري، الذي يسعى العالم لتجاوزه كمجرد شعار سياسي وتجاري فضفاض.

تشارك ليبيا في قمة المناخ الأخيرة «كوب27»، المنعقدة في منتجع شرم الشيخ السياحي بمصر بوفد رسمي في ظل واقع الحرب بالبلاد، وفوضى الاقتصاد والفساد المستشري فيها، مما يجعل من الرصيد الودود للبيئة لدينا محل استفهامات كثيرة ومتنوعة، خصوصاً أن البلاد رغم تبجح الحكومتين فيها بكثير الوعود الاقتصادية وعقود الطاقة المبرمة، لم تعلن أي من الحكومتين سياستها الخضراء المتعلقة بالمحيط بعد تبعات كل الحروب والصدامات المسلحة التي عشناها.

فوفق الإحصاءات العالمية المنشورة، وعلى مدى سنوات عديدة، تعتبر الصدامات المسلحة من الأخطار الحقيقية المهددة للبيئة. قتال فرقة مدرعة في اليوم الواحد، على سبيل المثال، تستهلك ما يصل لمليون لتر من الوقود، إلى جانب أثر الحرائق في الحرب بالأسلحة التقليدية من أثر شديد الخطورة بسبب طاقاتها المتفجرة التي ترفع من مستوى التلوث في الهواء*، كحرق آبار النفط وخزاناته، كما أن لتسرب البترول بسبب قذيفة له أثره المروع على المحيط الأخضر، كما أن لمخلفات العمليات العسكرية أثرها الخطير، لا على الهواء والتربة فقط، بل وعلى المياه الجوفية أيضاً، إذ عادة ما تكون عرضة للتلوث بمادة كلور إيثلين TCEوهي مادة مسرطنة للبشر.

كل هذه الأخطار تزداد الاستفهامات حولها ونحن نعيش بالبلاد صدامات مسلحة بشكل متواصل، يستخدم فيها الليبيون أساساً مخزونات السلاح الروسي القديمة التي وضعوا أياديهم عليها ونحن ننزلق بالبلاد نحو هاوية التحارب الأهلي والانسداد السياسي.

فالأسلحة قديمة الصنع تفتقر، ولا شك، للتطورات المستحدثة في تقنيات البيئة الجديدة، لأن الوعي البيئي لم يخترق عالم الصناعات بأنواعها إلا أخيراً، فلقد كانت البيئة ولعهود طويلة ضحية صامتة في النزاعات المسلحة كما تردد حركات أنصار البيئة في العالم.

مشاركة ليبيا في محفل «كوب27» لا شك في أنه حضور جيد لبلاد باتت الانتماءات فيها مشتتة، والأحوال العامة كشؤون البيئة فيها ليست محل اعتبار عريض مقارنة مع عمر الصدام المسلح على أقل تقدير، إلا أنه صار من الضروري جداً لساستنا ولأرباب أمرنا إدراك أن واقعنا البيئي ملوث هو الآخر بشكل يضاهي حالة راهننا البائس في كل شيء، فشرف المشاركة في الاجتماعات الدولية، كالتي بشرم الشيخ الآن، تلح بقضاياها على راهننا، لأن انقطاع الكهرباء، وانعدام غاز الطهي، يجبر العامة على قطع الأشجار واستخدام الفحم للطهي والتدفئة بما يهدد بيئتنا، ويزيد من جبروت التصحر، كما أن قطع المياه الصالحة للشرب يُلجئ المواطن لحفر آبار جوفية بشكل عشوائي، وبتجاهل صريح لإجراء التحاليل الدقيقة واللازمة للمياه المستخرجة، خصوصاً بالمناطق التي كانت حلبة صدام، أو على مرمى قذائف الخصوم.

فالسياسة البيئية في ليبيا لابد أنها دون مستوى المرحلة الحرجة بكوارثها البيئية المعلن عنها، كنزع الألغام من مناطق الصدام في حرب مدينة طرابلس، أو الأخرى وليدة الصدامات المسلحة في مسلسل حرب الميليشيات بالعاصمة، أو الثالثة المندلعة بين المدن بين حين وآخر، أو في رابعة، كالتي نتجت أيام حرب الكرامة لتحرير بنغازي من براثن الإرهاب.

كما لا يفوتنا هنا أن لا نقلل من الجدلية المنتشرة على نطاق واسع اليوم، والقاضية بأن بعض الدول المتورطة في الصراع الليبي - الليبي تستغل فوضى الأحوال بليبيا لتجريب أسلحتها محلية الصنع في بلادنا الشاسعة في ظل غياب مؤسسات للرقابة البيئة، أو منح صلاحيات خاصة لوزارة شؤون البيئة لممارسة واجباتها في البحث عن البصمة الكربونية وإصدار تقاريرها بالخصوص بكل شفافية، طالما أننا وافقنا العالم في سعيه للحياد الكربوني منذ مؤتمر باريس.

الأخطار بليبيا اليوم لا شك في أنها تتعمق وتتشعب، ولا أدري متى سندرك أن خلاصنا من لعنتنا الراهنة يكمن في ذواتنا أولاً وفي فهم محيطنا، وبالتالي في مستلزمات صحتنا العامة.

لقد أصبحنا مطالبون اليوم بأن نتفحص حالنا جيداً في وسط كل هذا الدمار والفوضى والفساد الاقتصادي والتلوث الذي ينعدم فيه وعينا بالحياد المناخي، ونمضي أيامنا دون انحياز حقيقي للوطن وفي غياب سياسة خضراء ترعاه.

هامش.
*Spellman Frank R & Nancy E. WHITING. Environmental Science & Technology. ط1. Government institution. Mayland. The USA