Atwasat

(الكورة ياعمورة)

جمعة بوكليب الأربعاء 09 نوفمبر 2022, 01:53 مساء
جمعة بوكليب

بعد أيام قليلة، سوف يتحول اهتمام سكان كوننا الأرضي إلى بقعة صغيرة محظوظة، تقع، جغرافياً، في منطقة الخليج العربي، وتسمى قطر. أيام قليلة متبقية، ويتغير فجأة إيقاع الساعات والقلوب في كل بلدان العالم. ياالله، كيف يتغير الزمن ويصير كروي الشكل، لمدة شهر كامل؟ وكيف تتحول الأمزجة البشرية من حالاتها المتعددة، صعوداً هبوطاً، وتتكور، فجأة، في استدارة محببة، طيلة ثلاثين يوماً؟

الناس، وأقصد بهم عشاق كرة القدم، وهم الأكثرية، من الآن وصاعداً، ولمدة أربعة أسابيع، سوف يذهبون إلى النوم، وهم يحلمون بالكرة، وبما سيشاهدونه في اليوم التالي من مبارايات.
مرحباً بدورة كأس العالم في كرة القدم.

على غير العادة، هذه البطولة العالمية التي ستُعقد في قطر، ستكون شتائية الطابع والمزاج. تعودنا على مشاهدة مباريات كأس العالم في الصيف. لكننا في هذه الدورة المميزة والمختلفة سوف نجد أنفسنا نتابع المباريات في بيوتنا، على إيقاع المطر، وقطراته تطرق زجاج نوافذنا. عشاق الكرة في العالم، وفي البلدان الباردة عموماً، سيجدون لذة مختلفة، وهم قابعون في بيوت دافئة، يحتسون مشروبات ساخنة، ويتابعون أبطال فرقهم القومية وهم يخوضون ساحات الملاعب ركضاً.

ويتنقلون بين المحطات لمتابعة المحللين والمعلقين الرياضيين بكل اللغات، ويزداد ازدحام المقاهي، في كل المدن والقرى، ويعلو بها الضجيج، ويتصاعد التوتر، وتزداد دقات القلوب سرعة، وتمتد الرقاب عالياً حرصاً على المشاهدة، وعلى ألا تفوتها لحظة واحدة من التشويق الكروي.

هذه البطولة، وعلى غير العادة، تأتي في أوقات صعبة سياسياً وعسكرياً. نتانياهو عاد سريعاً إلى كرسي الحكم في تل أبيب. هذه المرة، جاء مرفوقاً بائتلاف يميني متطرف. والحرب «الروسية - الأوكرانية» تزداد ضراوة ووحشية. وأزمة الطاقة، وارتفاع أسعار السلع والبضائع نيرانها تزداد حرارة.

وفي ليبيا، ما زالت حالة اللاسلم واللاحرب سارية المفعول، وما زالت الوجوه المسببة للأزمة نفسها تواصل توسيع وتعميق الحفرة، كي يصعب الخروج على الجميع، وبذلك يستمرون في مواقعهم ومناصبهم، ويتواصل نزيف المال العام. ورغماً عن ذلك، لم يتبق لنا إلا أيام قليلة ونصيح بملء حناجرنا: «الكورة ياعمورة».

حين تحضر «الكورة»، يغيب الساسة واللصوص والأفاقون الذين يسعون في الأرض فساداً وخراباً ودماراً، وتصبح شاشات التلفاز والقنوات التلفزية حكراً على أهل الكرة وعشاق الكرة.

كرة القدم عموماً، وبطولة: كأس العالم خصوصاً، توحد بين شعوب العالم. عشاق الكرة في جرز برّ الكلب، ونظراؤهم في جزر واق الواق، يحسّون برباط مودة يجمعهم في وقت واحد، ويقربهم مع بعض رغم آلاف الأميال التي تفرقهم. اللغات المتعددة، والألسنة المختلفة، والسحنات والملامح الغريبة كلها تصير مألوفة، وجميلة، ومسالمة، وهي تلتقي، لتشاهد المباريات، وتخرج إلى الشوارع لدى فوز فرقها القومية، رافعة الأعلام والرايات.

لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وهندوسي وبوذي وملحد. من أين يا ترى تأتي كرة القدم بكل هذا السحر، وتذوّب الفوارق بين الناس؟ لكن عشاق كرة القدم يعرفون وصفة ذلك السحر، لأنهم تحت وطأته، ولا يتمنّون زواله.

عشاق كرة القدم حين تبدأ المباريات سيولون وجوههم نحو قطر، ويضبطون تلقائياً زمن نبضات قلوبهم على الزمن في ملاعبها. وهو زمن كروي، لا مثيل له، يتحقق مرّة كل أربعة أعوام. ولدى انتهاء البطولة، يعود تلقائياً أيضاً إلى سابق عهده، كما يعود إلى الواجهة أهل السياسة بوجوههم القبيحة، وأكاذيبهم التي لا تتوقف، ويعود الملل والضجر إلى النفوس، وتستحوذ أخبار الحروب، والمهاجرين، وجرائم لصوص المال العام، وجرائم القتل على وسائل الإعلام.

ويعود صاحبنا «عمورة» إلى صدفته القديمة، لمواصلة عادته في الانتظار، على أمل أن يأتي غودو.