Atwasat

إضاءة على «سيد الأسرار»

رافد علي الخميس 03 نوفمبر 2022, 12:09 مساء
رافد علي

يشار للكونت ألكسندر دو مارانش، على أنه كان الرجل القوي في فرنسا بحقبة السبعينيات والثمانينيات لترؤسه إدارة المخابرات الفرنسية لسنوات عديدة، وهي الأطول في عمر الاستخبارات الفرنسية، ويُعزى إليه الفضل في أنه يعد من الرجال الذين بثوا روحاً فعالة للمخابرات الخارجية الفرنسية في عز الحرب الباردة لخبرته السياسية ولضلوعه في الشأن الدولي بتلك الحقبة، فقد شغل منصب مستشار للرئيس الأميركي الأسبق رولاند ريغن للشؤون الأمنية والسياسية.

توفي ألكسندر دو مارانش بمنتصف التسعينيات من القرن الماضي بعد رحلة عمر طويلة كان على مداها مطلعاً على خفايا وتفاصيل الأحداث، ومشاركاً، كاستخباراتي وسياسي ببلده، في عديد الوقائع التي كُشف عن تفاصيلها في كتاب «سيد الأسرار» من تأليف جون كريستوفر نوتا الصادر العام 2018 عن دار «Tallandier» الفرنسية.

الكتاب في جزء من محتواه يكشف حياة دو مارانش الاستخباراتية والأدوار التي عاشها في تفاصيل العلاقات الفرنسية - الليبية بفترة الحرب الباردة، التي تراوحت بين التقارب والتذبذب والفتور.

«سيد الأسرار» جاء على ذكر«ليبيا القذافي» في عدة محطات تعلقت بدور ليبيا في أفريقيا كحرب تشاد، ومحاولة اغتيال فرنسا للقذافي في مؤتمر صحفي، إلا أن المحاولة الاغتيالية لم تنفذ بسبب عدم مجيء القذافي للمؤتمر. كما ألقى «سيد الأسرار» الضوء على فكرة تأسيس نادي السافاري، كما عرج الكتاب على قضية الاعتداء الفرنسي على البارجة الليبية «ذات الصواري» في إيطاليا لأجل وضع محدودية للبحرية الليبية بالبحر المتوسط لتأمين خطوط النفط الدولية، وللحد، أيضاً، من فرضية أي مشاكسات ليبية للبوارج والسفن التابعة للغرب بحوض المتوسط، فـ «حماية البترول مسؤولية أور-أميركية» بنظر دو مارانش.

في ما يتعلق بحرب تشاد، يقول مؤلف «سيد الأسرار» إن دو مارانش كان قد نبه الرئاسة الفرنسية إلى أن ليبيا تحتل مقاطعة أوزو الحدودية منذ العام 1973، من دون أن يكون الواعز وراء ذلك التنبيه أي اهتمام بقبائل التبو بالمنطقة، «كونها أقلية ديموغرافية وثقافية لا يضاهي ثقلها الأقلية المسلمة في أرض البوسنة والهرسك العام 1914»، فالحافز الأساس في التنبيه الاستخباراتي لقصر الإليزيه كان القذافي ذاته، كونه كان يدعي أنه ضحية استراتيجيات عدوانية عالمية، لهذا نصح دو مارانش حكومة بلاده بالتعاطي مع قضية أوزو بالحيطة الشديدة، واتباع أسلوب السرية في دعمها لحكومة حسين حبري بالعاصمة إنجامينا، وفي ذات الوقت حث قوات المعارضة التبوية بالشمال التشادي على عدم الزحف جنوباً نحو العاصمة، بحيث يصبح التبو في الجارة ليبيا مشكلة ليبية بحتة، يظهر فيها القذافي، كعربي، محتلاً لأرضهم. مما يُجنب فرنسا نعتها في خطابات القذافي بـ «الإمبريالية» في المنطقة بشكل عام.

دعم الولايات المتحدة لحكومة حسين حبري ودحر ليبيا من تشاد لاحقاً تشير لبصمة دو مارانش في القضية كونه كان مستشاراً للرئيس ريغن حينها.

يكشف المؤلف في كتابه عن قصة تأسيس نادي السافاري، موضحاً أنه كان بقصد به التصدي للشيوعية في القارة السمراء، من خلال دعوة كل من السعودية وإيران ومصر، ثم انضمت إليه لاحقاً المملكة المغربية، وتوزعت فيه الأدوار بين الدول المشاركة بحيث تموله كل من طهران والرياض، وتقوم كل من المغرب ومصر بتقديم العنصر البشري لتحقيق خطط النادي، في حين تلتزم فرنسا بتوفير العنصر الفني والتقني والمعلوماتي اللازم لسياسة مقاومة السوفيات ونفوذهم بالقارة السمراء.

وأوضح المؤلف أن كشف حقيقة النادي وخباياه يرجع الفضل فيه للكاتب الصحفي المرحوم محمد حسنين هيكل، الذي سمح له رجال الثورة في طهران بالاطلاع على أرشيف الشاه بهلوي. ويذكر أن حرب الأغادين بين إثيوبيا والصومال قد اندلعت بعد مدة من تأسيس النادي لقلقلة نظام مانغيستو هيلا مريم بأديس أبابا الإثيوبية؛ بسبب تحالفاته مع موسكو وقربه من الكوبي فيدل كاسترو، ملمحاً إلى أن انفجار قضية الصحراء الغربية كانت بسبب إشغال الجزائر عن حركات التحرر اليسارية في أفريقيا، وأنه تم تشجيع الرئيس بري على تهديد ميثاق الوحدة الأفريقية عبر عدم الاعتراف بميراث الحدود بين دول القارة، كما أشار إلى أن من نتائج نادي السافاري دعم موبوتو في الكونغو وحماية قصره من قبل أعضاء السافاري.

الكتاب، رغم بعض الهفوات اللغوية فيه التي تقطع سلاسة المطالعة؛ يظل وثيقة جيدة للتأكيد على معلومات عامة منتشرة قد يكون المرء المتابع أو المهتم بحاجة لعنعننتها، إلا أن الكتاب الصادر بحجم متوسط، ومؤلف من 556 صفحة بالفهارس والهوامش، لم يقدم كشفاً حصرياً لمعلومات ووثائق تليق بمكانة ووزن الكونت دو مارانش في سياسة فرنسا الخارجية بتلك الأيام، لكنه يظل، في عموم الحال، قراءة جيدة لمن يهمه الأمر.