Atwasat

أين تزقزق الطيور؟

جمعة بوكليب الأربعاء 02 نوفمبر 2022, 12:27 مساء
جمعة بوكليب

في اليومين الماضيين، وأنا أتهيأ استعداداً لكتابة مقالتي الأسبوعية، وجدتني متردداً في الاختيار بين موضوعين. الأول يتعلق بما نتابع، هذه الأيام، في وسائل الإعلام المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعي الليبية، من انشغال مكتب النائب العام، على نحو غير مسبوق، بالتحقيق مع لصوص المال العام، ممن أوكلت إليهم أمانة إدارة سفاراتنا ومصارفنا ومؤسساتنا المالية في مختلف القطاعات، متعجباً من كثرة عددهم وعلو مراتبهم الوظيفية، ومن كثرة ما استحلوا نَهبه من أموال عامة بلا حياء من الشرف، أو وجل من عذاب الله في الدار الآخرة، أو خوف من عقاب القانون في الدار الدنيا.

وبالتأكيد، فإنه رغم أن رائحة الفساد في بلادنا تزكم الأنوف، وحكاية نهب المال العام أضحت معروفة للقاصي وللداني، وتمارس على كافة المستويات، من أعلى الهرم السلطوي إلى أسفله، إلا أن حرص مكتب النائب العام مؤخراً على نشر أخبار التحقيقات في السرقات، وصفات ومراتب من ارتكبوها، في الداخل والخارج، كشفت لنا حقيقة مهمة وهي أن ما يصل إلينا من معلومات لا يمثل سوى ما يبدو للناظر من جبل جليد في البحر.

فهو، أي الناظر، لا يرى سوى جزء صغير منه بارزاً على سطح الماء، لا تتجاوز نسبته 10 %. في حين أن 90 % من الجبل يظل مختفياً عن نظره، لأنه مغمور تحت السطح المائي.

الموضوع الآخر، يتمحور حول تقرير اطلعت عليه مؤخراً في جريدة «التايمز» اللندنية، حول تأثير زقزقة وغناء الطيور على صحة الإنسان النفسية والعقلية، وفائدتها في تعزيز مقاومته ضد الكآبة والحزن، وقدرتها على منحه البهجة، مما يزيد إيجابياً في إقباله على الحياة. التقرير لأهميته نشرته الجريدة في الصفحة الأولى.

الموضوعان، على أهميتهما، مختلفان جداً. موضوع اللصوص يسبب الهم والكدر والغضب، ويجلب الكآبة والحزن، في حين أن موضوع غناء الطيور يحضر البهجة إلى النفوس.

لذلك، حسمت ترددي، واخترت متعمداً الابتعاد، قدر الإمكان، عن الكتابة عن موضوع اللصوص وسرقاتهم المشينة، مبرراً لنفسي أن أمرهم بقدر ما يسببه من غضب وكدر، وما يخلقه في النفوس من حزن، شأن قانوني، علاقته المباشرة بأهل تنفيذ القانون، من أجهزة أمنية، سرية وعلنية، ومكاتب نيابة، ومحاكم قضاء، وإدارات سجون.

وارتأيت مشاركة القراء ما جاء في تقرير جريدة «التايمز» من معلومات على أهمية مشاهدة الطيور، والاستماع إلى غنائها، بغرض لفت اهتمامهم، وحضهم على الاستفادة، وعلى أمل مساعدتهم على توقي الكآبة، ومقاومة آثارها السلبية على النفس، والتمتع بما وهبهم الله من عطايا ، متوفرة مجاناً في الطبيعة من حولهم.

التقرير، باختصار، يتناول عرض دراسة علمية أجراها باحثون بجامعة «كينغز كوليج» في لندن، مسلطاً الضوء على أهمية الجهود الرامية إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي.

الدراسة أكدت على أن الاستماع إلى شدو الطيور بضع دقائق يومياً «ربما يكون المفتاح إلى الشعور بالمرح، حيث تبين للعلماء أن مشاهدة الطيور والاستمتاع بزقزقتها يرفع الروح المعنوية لأكثر من ثماني ساعات، وقد يساعد على مقاومة الكآبة».

الباحثون والعلماء قاموا بسؤال 1292 شخصاً، ثلاث مرات يومياً، ما إذا كانوا يرون أو يسمعون طيوراً، وعن حالة صحتهم العقلية.

ووجد العلماء أن من بين الأشخاص الذين يعانون من سوء في الصحة العقلية، فإن مشاهدة ورؤية الطيور تحسن من مزاجهم النفسي وتزيد في سعادتهم. الأمر نفسه يطال الأشخاص المتمتعين بصحة عقلية ونفسية جيدة.

وقال فريق العلماء إن الصلات والروابط بين الطيور وتحسن الحالة العقلية لا يلاحظ في العلاقة بين الأشخاص وعوامل طبيعية أخرى مثل وجود الأشجار أو النباتات أو الطرق المائية. فقط، زقزقة الطيور وحدها من سبب البهجة، وساعد على تخفيض نسبة الكآبة والحزن والإجهاد.

هذا باختصار، آمل ألا يكون مخلاً، ما وصل إليه الباحثون والعلماء، ونشرته الجريدة على صفحتها الأولى.

وأتمنى على الله أن يجد فيه القراء نفعاً، ويحضهم على السعي لتحسين أمزجتهم النفسية، وصحتهم العقلية بالحرص على مشاهدة الطيور، والاستمتاع بغنائها.

المشكلة الوحيدة التي قد تواجههم، في هذا الموضوع، هو أن الطيور تكاد تكون مندثرة في المدن الليبية، بعد أن أتي الكونكريت والإسمنت على الغابات والحياة النباتية الطبيعية، ولم يتبقَ للطيور سوى خيارين: الهجرة أو الموت!