Atwasat

أَفْرَقَة الحل بليبيا

رافد علي الخميس 20 أكتوبر 2022, 09:56 صباحا
رافد علي

تميز عمر الأزمة الليبية بغياب واضح للاتحاد الأفريقي، واقتصر دوره على مدى الأزمة بالبلاد بأن ظل دوراً مكملاً وليس أساساً. فالسيد داليتا محمد داليتا، الذي عُين مبعوثاً خاصاً للاتحاد الأفريقي إلى ليبيا لم يفلح في تقديم خارطة طريق لخروج ليبيا من أزمتها. رغم أن الملف الليبي كان تطور الأحداث فيه تحت أعين مجلس السلم والأمن الأفريقي، مما دفع بعض المراقبين لتعليل هذا التباطؤ الأفريقي في ليبيا لانعدام توافق توجهات الدول الفاعلة بالقارة حيال المقاربة الأفريقية المستوجبة لحل القضية الليبية.

مجلس السلم والأمن الأفريقي أعرب في دورته رقم 449 في أديس أبابا الإثيوبية صيف 2013 عن «انشغاله العميق لما يجري بليبيا» وأفصح، بذات البيان، عن ارتياحه للجنتين تعالجان المسائل السياسية والأمنية منسقتين من طرف الجزائر ومصر، إلى جانب لجنة تضم زعماء من جنوب أفريقيا وأوغندا وموريتانيا والكونغو ومالي، إلا أن نتائج لجنة الزعماء لم تحقق الكثير حينها لسيادة صوت التعنت والعنف ولغة السلاح.

سياسة «أفرقة الحلول» في القارة السمراء لازالت شعاراً سياسياً يُرفع أمام حيثيات ووقائع «صوملة» أو «أفغنة» بؤر الصراع بأفريقيا بسبب ما تعانيه القارة من متلازمة الأمن/ والتنمية، وما يترتب عليها من مشاكل لازالت أفريقيا تُطحن تحت متاريسها، فالتهديدات الأمنية أصبحت اليوم تنتقل من النمط التماثلي إلى اللا تماثلي، باعتبار أن رأس القضايا ذات الطبيعة الأمنية كالإرهاب والتهريب بأنواعه، والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية تعد من الجرائم العابرة للحدود، مما يجبر الأفارقة عموماً الآن على تفهم الحاجة لخلق تنسيق أمني وعسكري أكثر نجاعة وواقعية سياسية، بما يكفل لشعار «أفرقة الحلول» بالقارة أن يخرج للنور بصورة فعلية وواضحة.

ومما يزيد من حالة الشعارات في مبدأ «أفرقة الحل» في القارة عموماً، وبليبيا بوجه التحديد الآن؛ هو تضارب السياسات المتبعة، واختلاف المقاربات الاستراتيجية بالمنطقة، وتحديداً تلك التي تتبناها دول جوار ليبيا باختلافها، دون التقليل من تبعات تدابير الانقلابات العسكرية بمنطقة الساحل، كما جرى أخيراً في مالي وبوركينا فاسو، ضمن كواليس المزاحمة في النفوذ بين باريس وموسكو، الأمر الذي يربك الحالة السياسية والأمنية أفريقياً بسبب الاصطفاف السياسي الراهن دولياً اليوم.

حالة التوافق على تعيين عبدالله باتيلي كمبعوث أممي في ليبيا جاءت بعد تسعة أشهر من شغل ذات المنصب، تحقق بهذه الفترة حالة اختراقات لمراكز تفاوضية مختلفة عند أطراف الصراع الليبي، وظهرت فيها، كذلك، تحالفات سياسية غير مسبوقة؛ كان كل هذا يجري والاتحاد الأفريقي يقف بعيداً عن مجريات الأمور، إلا أن تعيين باتيلي في منصبه اليوم، يشير إلى أن الاتحاد الأفريقي بات عازماً على الانخراط في الأزمة الليبية بكل تعقيداتها الداخلية، وتبعاتها الأمنية على المنطقة، ودول الجوار بالمقام الأول.

عودة الاتحاد الأفريقي للتعاطي مع القضية الليبية كان عبر اجتماع وزاري نظمته المغرب على هامش الجمعية العامة بسبب «القلق العميق إزاء خطورة الأوضاع» بليبيا، في الوقت الذي كان فيه غسان سلامة، المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا حينها، بصدد الإعداد لمؤتمر «برلين 1»، الذي غابت عنه المغرب- وقاطعت «برلين 2» دبلوماسياً لاحقاً -، كما علق المجلس الوطني مشاركته في «برلين 1» بسبب ما وصفه باعتداءات قوات المشير حفتر على مؤسسات حكومية بمدينة بنغازي.

لقد بات الجميع يدرك مدى تعقيد وكُلفة الحل العسكري في ليبيا لتكافؤ ميزان القوى على الأرض بين المتدخلين بالأزمة الليبية، وبسبب انعدام أي فعالية حقيقية لقوات التدخل السريع المنصوص عليها بميثاق الاتحاد الأفريقي كوسيلة لـ «أفرقة الحلول».

يبقى أمام باتيلي اليوم خوض غمار مغامرة بث الروح في عملية سياسية ليبية باتت جامدة أولاً، ومعقدة ثانياً، بقصد أن تصل ليبيا لحلحلة مبدئية تتمثل في إجراء انتخابات بشقيها التشريعي والتنفيذي، يتم بمقتضاها إزاحة العراقيل والمعرقلين، والانطلاق في عملية سياسية مفتوحة، لأجل الخروج من المربع رقم «1» منذ اندلاع فبراير، والتي لم تنجح في خلق أي عملية سياسية ناضجة ومستقرة، إذ مازالت الشرعية السياسية مختطفة، ومتجادل عليها بين الأطراف المحلية المتنازعة في ما بينها على حكم البلاد.

السيد باتيلي من المرجح أنه سيفصح عن مبادرة سياسية تخصه في ليبيا، ومن المؤكد أن الأفارقة سيدعمون طرحه باعتباره سنغالياً، تعد بلاده موطناً مهماً في استراتيجيات الولايات المتحدة بأفريقيا، والسنغال تترأس الاتحاد الأفريقي اليوم.

فهل سيكون الليبي في الموعد لأجل خوض غمار عملية سياسية تحقق عماد «أفرقة الحلول» بالقارة بدل التشبث بسياسة العناد وتعزيز الانقسام ضمن نهج تنويم الناس في العسل بـ «بزعقة» المال، أو عبر الترويج سياسياً لمشاريع حالمة لا تصب في مسار خلق وطن محترم، وأخرى بإبرام اتفاقات استراتيجية لا تزيد البلاد إلا جدلاً وفرقة وخلطاً في الأوراق نكاية بالخصوم!

ومن المؤكد أيضاَ أنه بات جلياً أن الأفارقة باتحادهم التليد الساعي إلى «أفرقة الحلول» بتدابير «المنع أو الإدارة أو التسوية» سيمنحون العالم فرصة للتأمل فيهم بليبيا للإجابة عن سؤال عويص هو: هل أفريقيا في انكسار دائم أم أن غياب الحضور الجاد والفاعل لرجالاتها مجرد انحسار موقت؟!.
نحن مع الأيام في موعد مفتوح حيال مصير ليبيا وحقيقة عزائم «أفرقة الحلول» بليبيا.