Atwasat

قابلية

صالح الحاراتي الخميس 13 أكتوبر 2022, 11:04 صباحا
صالح الحاراتي

القابلية مصدر صناعي من قابِل: وهي حالة يكون بها الإنسان مستعداً للقبول أو الانفعال. ومنها قابليَّة التَّأقلُم، وقابليَّة التَّحسُّن.

وهناك معان أخرى لهذه الكلمة منها «القابلية للاستعمار» ذلك المصطلح أو المفهوم الذي طرحه مالك بن نبي في 1948 في كتابه «شروط النهضة»، الذي يقول فيه أن مشكلتنا هي مشكلة أفكار، وأننا كعرب ومسلمين قد اعتدنا الاستعمار وتشربنا ذله، ففي بداية الاستعمار يكون العدو مستهجناً، نحاربه بكل قوة، لكن مع مرور الوقت، نرضخ للمستعمر، ثم نولع به ونقلده في كل شيء، وهو يرى أن القابلية للاستعمار هي رضوخ داخلي عميق للاستعمار، هذا الرضوخ ناتج عن إقناع الاستعمار للأفراد المستعمرين (الأهالي) بتفوقه عليهم وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حياتهم دونه، إنه شعور بدونيتهم في كل شيء.

ويرى مالك بن نبي أن القابلية للاستعمار قد تكون ناتجة عن الواقعة الاستعمارية أي خضوع شعب ما للاستعمار، كما قد تكون ناتجة عن صفات عقلية ونفسية ترسخت في أمة معينة نتيجة ظروف وصيرورة تاريخية معينة، تجعلها تفشل في القيام بفعل المقاومة، وبالتالي الشعور بالدونية تجاه الآخر المتفوق حضارياً، ويعتقد ابن نبي أن كثيراً من الأفراد في مجتمعاتنا يعانون من القابلية للاستعمار.. وأظنه هنا يقترب من مقولة ابن خلدون حول اقتداء المغلوب بالغالب حضارياً.

ونعرج بعد ذلك إلى ما يسمى بـ«القابلية للاستهواء» والمثال لذلك حين نقول.. فلان أثارت الطَّبيعَةُ اسْتِهواءهُ
أي أثارت إِعْجابَهُ.. أو نقول.. رَغِبَ في اسْتِهوائِهِ
أي رغب في جَذبِهِ، وفي إِغوائِهِ.

ونستحضر هنا في ما يتعلق بالقابلية للاستهواء تلك الحالة التي عليها شخص وصفه يوما أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
أثّر البهتان فيه وانطوى الزور عليه
يا له من ببغـاء عقلــــه فـي أذنيــــه

فالقابلية للاستهواء هي سرعة التصديق والقبول بما يسمع الشخص وهي من علامات الشخصية غير الناضجة التي تصدق بسرعة ما يقوله لها الغير من أفكار ومعلومات دون نقد أو تمحيص ودون تمريرها على العقل لتبين منطقيتها وصدقها، ومن تتملكه القابلية للاستهواء يكون على استعداد تلقائي لنشر الإشاعات والخرافات وغالباً ما يجري استغلال ذلك الفرد من خلال الدعاية السياسية والتجارية لأنه يعيش حالة من الركود العقلي التام التي لا يسعى المصاب بها إلى التفكير، بل يسلم عقله للآخرين الذين يقودونه حيثما يشاءون.

وما دام الحديث عن «القابلية» فقد يكون من الأهمية الإشارة إلى ما تناوله د. علي شريعتي في كتابه «النباهة والاستحمار» أشار فيه إلى ما أسماه «القابلية للاستحمار» وخلاصته أن حكام العرب والمسلمين يستحمرون شعوبهم باسم الدين وذلك بتجهيل الشعوب ويستحمرونهم باسم العلم المزيف وذلك بشغلهم بسفاسف الأمور، وأننا بحاجة إلى نوعين من النباهة لحل هذه المعضلة، الأولى هي النباهة الإنسانية وهي أن تعرف قيمتك كإنسان والثانية هي النباهة الاجتماعية وهي أن تكون واعياً بدورك في المجتمع.

وموروثنا ومنظومتنا الثقافية مكتنزة بفكر منحرف، مما أدى الى وجود ما يمكن أن نسميه «القابلية للدعشنة» واستنساخ نماذج بشرية متطرفة جلبت معها الكوارث والمآسي.