Atwasat

عودة ملف الهجرة

رافد علي الخميس 13 أكتوبر 2022, 10:57 صباحا
رافد علي

كان لمحرقة مدينة صبراتة قبل أيام أن حركت الساكن في ملف الهجرة اللا شرعية التي تعد ليبيا المحور الساخن فيها بقصور الرئاسة الأوروبية، فقد أثارت محرقة صبراتة، التي راح ضحيتها عدد من الأفارقة الحالمين بالوصول لشواطيء الشمالية للمتوسط، مخاوف العديد من المراقبين لأن يُفتح ملف الهجرة اللاشرعية في البلاد بملغومات السياسة، إذ تتورط البلاد بصفة «أرض توطين وإقامة» وتنزع بالتالي عنها صفة «الممر».

هذه المخاوف المشروعة ظهرت في أيام يبدو فيها أن المشهد السياسي في حالة «وقت مستقطع» من لعبة التجاذبات السياسية بينهم كخصوم في الشرق والغرب، وانتظاراً لوصول السيد باتيلي، المفوض الأممي الجديد، إلى البلاد لمباشرة التفاعل مع مقترحات لمباشرة العملية السياسية في ليبيا بقصد الوصول لتسويات يتخطى فيها الليبيون معوقات راسخة سياسةً، وأخرى مترسبة في الكينونة الليبية.

لقد باتت قضية الهجرة غير الشرعية من القضايا المقلقة عالمياً، فهي منتشرة في بؤر خاصة من دول العالم، ولعل خطورتها تكمن اليوم في أن المنظمات المسيرة للهجرة غير الشرعية ومتخصصة في تهريب البشر قد أصبحت منظمات شديدة التعقيد التنظيمي في ممارستها لنشاطها الإجرامي، فأصبح كل من شظفت به الأحوال، أو طردته الحروب أو هددته المجاعات يتقدم إلى عصابة لنقل البشر تيسّر له طريق الهجرة للشمال عبر رحلة تكسر القوانين، وتكون محفوفة بالمخاطر والمهالك.

تحقيقات نيابة باليرمو الإيطالية قبل عامين كشفت أن الرقعة الجغرافية الممتدة من الصومال عبر كل من إثيوبيا وإريتريا والسودان وصولاً إلى ليبيا تشكل ساحة نشطة لتنظيم عصابي بالقارة فائق التنظيم الإجرامي، ويعمل بتناغم جيد حتى الأراضي الإيطالية، ومنها للشمال الأوروبي، حيث يوجد عملاء يعملون في روما وميلانو وباري وكتانيا، فالتتبع الأمني لأجهزة المخابرات الأوروبية لهواتف تتنقل بين القارتين يعكس البعد الإجرامي العابر للحدود لظاهرة الاتجار بالبشر، وبانتهاك مرعب لآدمية الإنسان وحقوقه.

قضية الهجرة غير الشرعية بتوابعها الإجرامية، من قتل وترويع واغتصاب وكسب غير مشروع وغسل أموال؛ باتت تفرض نفسها على الأحداث بالبلاد على هامش فترة استراحة المحارب التي يقضيها قادة فرض الأمر الواقع بليبيا وأخبار الفساد فيها وتجاذبات شرعية عصيدة المولد النبوي الشريف، وتجديد التحالفات السياسية القديمة دون زعل، إذ تبقى اللعبة عندهم هى أن التصريحات الإعلامية ليست إلا للاستهلاك الداخلي بقصد المحافظة على الشعبية بين الرعية التائهة بأرضها لأكثر من عقد من الزمن الآن. وكذلك هى فترة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق استعداداً لخوض غمار الجدل السياسي مع لحظة أول تصريح رسمي سيدلي به باتيلي لحظة وصوله لطرابلس، إذ شكلت مذبحة صبراتة إدانة دولية، وألقت بالقضية مجدداً لدائرة الضوء في الإعلام العالمي حيث ترزح فيه ليبيا بكل الفوضى والعنف فيها تحت مجهر الانتهاكات بقصد الضغط على أربابها بتوفير سُبل الراحة والأمان للاجيء بما يغنيه عن فكرة ركوب البحر صوب الشمال. وهى استراحة لساستنا جميعاً يغيب فيها التذكير بأن القانون رقم 19 للعام 2010، المتعلق بتجريم الهجرة غير الشرعية بليبيا قد أضحى قانوناً يستحق المراجعة وإجراء تعديلات على روحه الجزائية. الغرامات المنصوص عليها بالقانون المذكور، على سبيل المثال، أعتقد أنها أصبحت تفتقر للكثير من روح الردع الجنائي، بسبب حالة تدهور الدينار في سوق الصرف الموازية بالبلاد، مقارنة مع ما يحققه رجال عصابات تهريب البشر من مبالغ تصل لمليون يورو في الرحلة الواحدة من ليبيا إلى إيطاليا بحسب ما ذكرته الصحافة الإيطالية عقب تسلم روما المهرب الإريتري ميدهاني بهديجو ميريد، من السودان في يونيو 2016، والذي يعتبر من كبار عناصر التنظيم العصابي الدولي الممتد من الصومال وصولاً لليبيا، حيث لازال أمبارس جيرماي، أحد أخطر المهربين للبشر طليقاً في ليبيا.

تم الكشف عن هوية الإثيوبي جيرماي، كأكبر مهرب وناقل للبشر عبر السواحل الليبية إلى إيطاليا منذ سنوات قليلة بكونه يدير «عصابة جيدة التنظيم بليبيا»، تتخذ من بعض المدن الساحلية الليبية منطلقاً لنشاطها الإجرامي في اتجاه أوروبا، كما أن مجلس الأمن في سابقة دولية أصدر في حق جيرماي، مع آخرين، عقوبات تشمل تجميد أموالهم وحظر السفر عليهم دولياً، إلا أن جيرماي مازال فاراً من وجه العدالة، وينعم حتماً بحالة غياب الدولة ومؤسساتها، ونحن نعايش في بلادنا مرحلة هي الأصعب والأدق في تاريخنا الحديث.

لا شك أن حالة الكساد السياسي في البلاد بانسداده الراهن وبكل الفساد فيه تجعل من فتح ملف الهجرة غير الشرعية بكل مآسيه وتعقيداته شيئاً يثير الكثير من المخاوف والعديد من القلق في ظل غياب كلمة ليبية موحدة وواضحة، وبسيادة، وبلا مساومات جهوية منفردة مع الآخر لم نحصد منها حتى الآن إلا السراب وتعزيز الفوضى وترسيخ الانقسام.