Atwasat

(هايدي) لم تعد سويسرية

محمد عقيلة العمامي الإثنين 03 أكتوبر 2022, 10:13 صباحا
محمد عقيلة العمامي

مجلة (Readers Digest) الأميركية الشهيرة صدر العدد الأول منها في شهر فبراير 1922، وصدرت ترجمتها العربية في القاهرة في سبتمبر 1943 وهي تترجم الآن إلى أكثر من 70 لغة. ولكن ترجمتها العربية توقفت منذ فترة، أتابع نسختها الإنجليزية. كانت مجلة للأسرة كافة، غير أنها أخيرًا أصبح تركيزها بالدرجة الأولى على البيت، وبالتالي أكثر مواضيعها تهم سيدة البيت! لقد سألني صديق لماذا أقول سيدة البيت، ولا أقول مثلما هو متداول ربة البيت؟ كنت حينها غاضب من سيدة البيت، فأجبته، متشفيًا: «الرب لا يظلم!»
المقالات الغربية، أعني الأجنبية، سواء تلك الأوروبية أو الأميركية يومية كانت، أم أسبوعية، التي تتناول المواضيع الحياتية الإنسانية المعاشة يوميًا؛ اجتماعية كانت أم تربوية، تكون في مجملها أكثر بكثير من المواضيع السياسية بل وحتى الاقتصادية.

أنا متابع شبه منتظم لهذه المجلة منذ أن عرفتها في منتصف ستينيات القرن الماضي، قد أغيب فترة عنها ولكنني لا أتركها إن وجدتها. الآن أصبحت تصدر بانتظام من خلال النشر الإلكتروني باللغة الإنجليزية، ولا أعتقد أن لها الآن ترجمة باللغة العربية.

لأن مواضيعها واهتمامات كتابها تختلف تمامًا عن اهتمامات كتاب مواضيعنا الأسبوعية، أو مواضيع أعمدة جرائدنا ومجلاتنا العربية بصفة عامة والليبية بصفة خاصة. فمن يذكر أنه قرأ طوال العام الماضي موضوعًا عن أهمية الحيوانات الأليفة، أو الزهور، في بيوتنا؟ أو كيف يجب أن تكون العلاقة المثالية ما بين الزوج وزوجته، أو ما تضفيه أحاديث شاهي العشية من ألفة ما بين أفراد الأسرة الواحدة، أو أهمية الرحلات الترفيهية للبحر أو لجنى (القعمول) في وقته!

قد تكون مثل هذه المواضيع معدومة تمامًا في صحافتنا اليومية، أو الأسبوعية أو حتى الفصلية. لا شيء سوى مواضيع جادة لا تنفذ عبرها لا بهجة ولا بسمة، مواضيع تعادي في الغالب الدعابة والمرح. جديتها تصل حد الحزن والبكاء، ناهيك عن (التكشير) و(التفنيص) الذي تخلفه قراءتها.

وجدت، أخيرًا، عددًا قديمًا من (المختار) يعود تاريخه إلى سبتمبر 1982 التقطه، فشدتني فيه حكاية الطفلة الكرتونية (هايدي) التي قرأها وشاهد رسوماتها العالم كله، وكيف أن بلدة مؤلفة قصة تلك الشخصية الطفولية أصبحت مزارًا لجنسيات العالم كله، فما زال حتى الآن الملايين من اليابانيين الذي تابعوا مسلسل هايدي الكرتوني يتوافدون سنويًا إلى سويسرا وينطلقون مباشرة إلى قرية قريبة من زيورخ ليشاهدوا المكان والأجواء التي صورتها كاتبة حكاية (هايدي).

ويبحثون عن حليب الماعز، ويستنشقون هواء جبال الألب مثلما كانت تصورها مبدعة شخصية هذه الفتاة، مجعدة الشعر التي تبعث السعادة أينما حلت. لم يخطر ببال الكاتبة (جوهانا سبيري) أن بشرًا من مختلف جنسيات العالم سوف يتوافدون لرؤية المكان الذي عاشت فيه هايدي مع جدها والراعي بيتر، ولما عرض المسلسل سنة 1976 في أوروبا أقبل الناس على شراء قصصها، ودمى وقمصان شخصيات مزدانة بصور هايدي، توازي ارتفاع جبال الألب.

في العدد نفسه، قرأت موضوعًا عن سيدة أعمال، كانت الحياة قد عاملتها بإحسان فنجحت في عملها، وكانت تشعر دائمًا أنها مقصرة في سلوك ما، وعندما اشتكت إلى صديقة قريبة منها، من ذلك الإحساس، اقترحت عليها أن تصلي لله، ولأنها لا تعرف كيف تصلي؟ بسطت لها الأمر وأخبرتها أن تجلس في الصباح الباكر وتتأمل من نافذتها انبلاج الفجر، وبدء الحياة بزقزقة العصافير، والنسيم الهادئ، وما عليها إلا أن تنصت بتأمل وتشكر الله على تمكينه لها من تأمل هذا العالم، والإحساس بجماله.

تقول أنها استمرت طوال حياتها مواظبة على تلك الساعة الصباحية التي تتجه فيها إلى الله وتشكره على كرمه ونعمه. وهل أقول لكم أنني جربت مثل هذه الحالة عندما كانت الفرص تواتيني في صحوي مبكرًا على شاطئ بحر، أي بحر! وكان الرضا والامتنان لخالق البحر وهوائه ونسائمه يغمرني حد الهناء والسعادة! فهل ثمة علاقة ما بين البهجة وأعمدة ومواضيع الصحف اليومية؟