Atwasat

النفط.. قوت الليبيين

عبدالسلام نصية الأحد 02 أكتوبر 2022, 02:20 مساء
عبدالسلام نصية

ندرك جميعًا أهمية النفط كمورد وحيد للإيرادات في البلاد، وأن المحافظة على استمرار هذا المورد وتنميته من الأهمية بمكان لاستمرار الاستدامة المالية، خاصة في ظل هذه الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بالعالم، ولكن هذه المحافظة والاستمرار تحتاج إلى شفافية ومصداقية والتزام بالقوانين والإجراءات وخطة واضحة للتطوير والتنمية، مترجمة إلى أرقام ومدد زمنية محددة وأهداف يمكن قياسها.

إن الحديث عن الشفافية في إدارة إيرادات النفط لا بد أن تبدأ من المؤسسة الوطنية للنفط نفسها، وذلك من خلال الإفصاح التام عن كميات الإنتاج وحصة الشريك الأجنبي والأسعار وقيمة النفط المحال لمحطات الكهرباء، وكيفية تحصيل قيمته ودورة مستندية واضحة يتم مطابقة حساباتها دوريًا بين أطراف العملية التجارية (المؤسسة، المصرف الخارجي، المصرف المركزي، وزارة المالية) وكذلك الحال إيرادات الغاز والمنتجات النفطية والإتاوات وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا المورد الوحيد، ثم تنتقل للخطط والبرامج سواء القصيرة أو الطويلة لتطوير وتنمية هذا القطاع،.

عندها يمكن تخصص المبالغ اللازمة ولو كانت على حساب التنمية في القطاعات الأخرى؛ لأن تطور وتنمية النفط اليوم هو مصدر للتنمية الشاملة غدًا، أما التعامل مع القطاع وتنميته وفقًا لسياسية الصريرات والغموض وانعدام الشفافية ودولة الأشخاص والاحتماء بالأجنبي وابتزاز الليبيين به، فهو عبث ودليل على عدم الكفاءة والقدرة على إدارة هذا المورد الوحيد، فالنفط لليبيين ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه هو صاحب الفضل في إخراجه أو بيعه، فالإنتاج قائم ومستمر بوجود فلان أو عدم وجودة. ومن يرغب أن يكون صاحب فضل عليه خلق إيرادات بديلة عن هذا المورد الطبيعي.

لذلك فإن ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة عن سنة 2021 بخصوص المؤسسة الوطنية للنفط يعد أمرًا خطيرًا يجب الوقوف عنده للتصحيح والمحاسبة حتى لا يتحول هذا القطاع المهم من قوت لليبيين إلى مدمر لوحدتهم وحياتهمن حيث ورد في التقرير ثلاث مخالفات مالية ترقى إلى جرائم مالية واقتصادية يجب تداركها فورًا وقبل فوات الأوان.

أولًا: قيام إدارة التسويق الدولي ببيع نفط خام وغاز مقابل كميات من المحروقات (بنزين - ديزل) بمبلغ قدره 3‪.‬6 مليار دولار، اي ما يعادل 16 مليار دينار تقريبًا بالمخالفة للتشريعات المنظمة لجباية الإيرادات السيادية، حيث استندت في ذلك لكتاب مستشار ومدير مكتب رئيس الوزراء، علمًا بأن عملية الشراء تمت قبل منح الموافقة وفقًا لتقرير الديوان.

الأمر الذي يعد جريمة اقتصادية وظاهرة خطيرة في التعدي على المال العام ومخالفة للمبادئ المحاسبية المقبولة والمتعارف عليها، ولا يمكن أن تتم هذه العملية وفقًا لرسالة من مدير مكتب أو مستشار أو حتى رئيس وزراء، فمثل هذا الإجراء يتطلب موافقة الجهة التشريعية وأن يتم وفقًا للأصول المحاسبية والإجراءات القانونية.

وبالإضافة إلى أن هذا التصرف يعد جريمة مالية واقتصادية فإنه أيضًا تسبب في تشويه بيانات المالية العامة وتضليل التخطيط الاستراتيجي والرأي العام.

وقد أثار هذا التصرف عديد الأسئلة، ومنها كيف تمت العملية؟ وكيف يتم إثبات الكمية التي تم بيعها بالمخالفة؟ وما السعر؟ وما جودة المنتجات التي تم استلامها (البنزين - الديزل)، خاصة أن هناك تقارير تتحدث عن وجود وقود مغشوش أدى إلى عطل عديد من مركبات المواطنين خلال السنتين الماضيتين؟ ‬‬

ثانيًا: وجود عديد الفواتير غير المحصلة من مبيعات النفط والغاز والمنتجات النفطية عن السنوات من 2010 إلى 2021 بلغت قيمتها 2‪.‬7 مليار دولار. في مؤشر واضح على ضعف نظام الرقابة الداخلية وإهمال في تحصيل قوت الليبيين خلال كل هذه السنوات، والملاحظ أن هذا الإهمال يتكرر سنويًا، ومع ذلك لم يوضع له حد.

وهذا الأمر أيضًا يعتبر مخالفة مالية، فالمبلغ كبير وتكرر كل سنة. فمن الذي يقوم بهذه المبيعات؟ ولماذا لم يتم تحصيل هذه المبالغ أو محاسبة من أذن بالبيع؟ لقد مرت البلاد بأزمات مالية شديدة توقف فيها الإنتاج عدة مرات خلال هذه السنوات فلا يمكن تبرير إهمال تحصيل نحو 9 مليارات دينار ليبي. أيضًا لا يمكن اعتبار هذه الديون ديونًا مشكوكًا في تحصيلها إلا بعد إجراء التحقيق ومحاسبة المسؤولين عنها.‬‬

ثالثًا: هناك فرق بين بيانات الإيرادات المحصلة من النفط الخام والمنتجات النفطية بين الإدارة العامة للتسويق الدولي وإدارة حسابات التسويق، وهذا أمر مستغرب جدًا، خاصة أننا كنا نعتقد أن حسابات المؤسسة والشركات التابعة لها دقيقة مقارنة بحسابات الشركات العامة الأخرى، فهذا الأمر يدل أيضًا على ضعف أو انعدام الرقابة الداخلية في المؤسسة، التي ضعفها يخلق بيئة مناسبة للفساد والتلاعب بإيرادات الدولة ومصدر دخلها الوحيد.

فإذا كان هذا الحال من انعدام المطابقة داخل المؤسسة، فماذا عن وضع المطابقة وتسوية الحسابات بين المؤسسة والمصرف الخارجي والمصرف المركزي ووزارة المالية.

إن هذه المخالفات أو الجرائم المالية والاقتصادية يجب أن يتم التعامل معها بكل جدية ومسؤولية، تبدأ من إيقاف المسؤولين عنها مهما كانت مناصبهم عن العمل، وفتح تحقيق فوري يفضي إلى إعادة الأمور إلى نصابها وتصحيح الإجراءات وسن التشريعات أو تعديلها إذا كان الأمر يتطلب ذلك. إن المسؤولية الآن أمام الجهة التشريعية وأجهزتها الرقابية ومكتب النائب العام، لا يمكن قبول تكرار هذه المخالفات، خاصة أننا جميعًا نتحدث عن إدارة الثروة النفطية والشفافية كسبيل لحل الأزمة الليبية.

أما الإصلاحات الأخرى المطلوبة في هذا القطاع فإنه قد آن الأوان لإعادة النظر في المؤسسة الوطنية للنفط من خلال تحويلها إلى شركة قابضة مستقلة ماليًا وإداريًا يملكها كل الليبيين، وبعيدة عن التجاذبات السياسية وبعيدة عن ميزانية الدولة وتدار بكفاءات قادرة وإتاحة الفرصة لها للعمل داخليًا وخارجيًا.