Atwasat

«التعليم العالي».. إنتاج النخب أم نقيضها؟

آمنة القلفاط الخميس 29 سبتمبر 2022, 12:49 مساء
آمنة القلفاط

محطتان استوقفتا الناس خلال الأيام الماضية تتعلقان بالتعليم العالي في بلادنا. من خلال النقاش على منصات التواصل الاجتماعي، اجتمعت آراء المهتمين حول الموضوع على وصف وزارة التعليم العالي بسوء الأداء وقلة الخبرة وعدم الإلمام بالوصف الوظيفي وحجم الدور المنتظر منها والمنوط بها في ليبيا التي تتلمس طريقها نحو بناء دولة ناجحة وذات شأن.

التعليم العالي لا تقتصر وظيفته على تهيئة الطلاب للمستقبل الوظيفي فحسب، بل المهمة الأكثر سمواً هي زيادة إدراك الطلاب ورفع درجة الوعي لديهم كأفراد صالحين لهم دور فعال في مجتمعاتهم بما يمكنهم من النهوض ببلادهم وإتقان أدائهم على كافة المستويات. التعليم العالي هو المؤسسة التي تصقل الطلاب وتهيء شاغري الصف الأول للوظائف المهمة.

المحطة الأولى التي تناولها الناس بالغضب والاستنكار، هي قوائم البعثات الخارجية التي جاءت تحمل أسماء عائلات مجتمعة، وكأنها قوائم رحلات أسرية. القوائم بشكلها الذي جاءت عليه تمثل الفساد الذي يشوب الأداء الوزاري للوزارة المعنية. المهمة المنوطة بوزارة التعليم العالي منبثقة من اسمها، وهي أن تحمل المعنى الفعلي للتعليم العالي وتقدم القدوة والنموذج الذي يرتقي بالعلم وبمن يحمل شعلته. مهمتها الأسمى أن تساعد على خلق بيئة علمية بين الطلاب قائمة على التنافس الشريف، ليصل من يستحق بجدارة تمكنه من تقلد المناصب العليا بكفاءة للنهوض ببلدهم وجعلها أفضل.

المحطة الثانية، تناولت السرقات الأدبية لأعمال الآخرين بالكامل ونسبتها لمن يدعي ملكيتها الفكرية، دون مراعاة أصول الاقتباس المشروعة التي تدعم الدراسة وتشير إلى المصدر بإنصاف كما هو متعارف عليه أكاديمياً. السرقات الأدبية المذكورة جاءت من مجلات جامعية لينال صاحبها درجات علمية غير مستحقة؛ في الواقع فإن صاحب السرقة الأدبية عرضة للمساءلة وغير جدير بوظيفته الأكاديمية.

السرقات الأدبية أكثر ضرراً للمجتمع لأنها تقدم نماذج سيئة لها الأولوية في السلم الوظيفي بما يعزز الفساد وينخر مؤسسات الدولة.

السرقات التي جاءت في نسخ أعمال كاملة، تدل على عدم مسؤولية المجلات العلمية الصادرة من بعض الجامعات الليبية وانعدام حس المسئولية وجهل بقواعد النشر المتفق عليها دولياً. التحقق والتقصي للأعمال المنشورة قبل النشر هو مهمة المجلة الناشرة، ليس فقط من حيث المحتوى، بل والجدوى العلمية للبحث المنشور ومدى مساهمته لما جاء قبله بالتحليل أو الابتكار، والزيادة أو النقد.

العجيب أن كشف السرقات الأدبية تم عن طريق الـ«فيسبوك»، من صفحة السيد سليمان المعمري وهو شخصية إعلامية من سلطنة عمان. السيد المعمري نشر البحث المسروق واسم الناشر الأصلي والجامعة والمجلة التي نشرت البحث. شخصية عامة من دولة عربية تكشف كم التجاوزات والسرقات الأدبية في مؤسساتنا العلمية والدينية. يتساءل المواطن المراقب لما يحدث عن قلة وعي الناشر للأبحاث ليتأكد ببساطة شديدة من أصل البحث المنشور ودرجة الاقتباس في الحدود المسموح بها دولياً، وليس نسخ ولصق بشكل مهين للجامعة والجهة الناشرة والدولة التي صدر من جامعاتها.

مع انتشار الفساد وقلة المحاسبة، إن لم نقل انعدامها. تبدو البعثات الدراسية وإيفاد الطلبة للخارج أو العمل في السفارات الليبية في الخارج هو المنفذ الوحيد المتاح بأي وسيلة كانت. هنا تتحول وزارة التعليم العالي من الإشراف على الجامعات لتأدية مهامها أسوة بدول العالم، إلى أوكار فساد ورشوة ومحسوبية وتنفيذ أجندات لا تدخل في إطار عملها المتعارف عليه.

العالم اليوم قرية صغيرة من حيث التواصل وانتشار المعلومة، وفشل من هم على رأس وزارة بحجم وزارة التعليم العالي وسوء استغلاله لمنصبه لم يعد خافياً على أحد، وفي انتظار كيف يتم إصلاح خلل بهذا الحجم.