Atwasat

أربعة أيام في وهران

حمدي الحسيني الأربعاء 21 سبتمبر 2022, 08:23 مساء
حمدي الحسيني

قبل أيام تلقيت دعوة من المرصد الوطني للمجتمع المدني الجزائري، للمشاركة في منتدى «تواصل الأجيال» الذي نظمه المرصد في مدينة وهران، تمهيداً للقمة العربية المرتقبة في الجزائر مطلع نوفمبر المقبل.

كان المنتدى فرصة ذهبية للقاء الأشقاء من بغداد إلى صنعاء، ومن مسقط إلى عمّان، ومن الخرطوم إلى بيروت، ومن دمشق إلى طرابلس، ومن تونس إلى الكويت، ومن جيبوتي إلى دمشق، ومن الدوحة إلى المنامة وأبوظبي.
وجوه المشاركين من 19 دولة عربية، كان يحدوها الأمل في طرح أفكار ورؤى تُسهم في إزاحة الغمة عن أمة حباها الله ثروات هائلة وأراضي خصبة بلا حدود، ولا ينقصها سوى إخلاص النية في التعاون والتكامل البيني، للعيش في رخاء وأمن بعيداً عن سيطرة وتحكُّم خصومها المتربصين بها من كل اتجاه.

كانت العاصمة الجزائر محطة وصول الوفود بالطبع، ومنها جرى الانتقال إلى مدينة وهران غرباً عبر حافلات مريحة، لنقطع مسافة تصل إلى نحو 400 كلم. وفجأة توقفنا في منتصف الطريق، وبالتحديد عند مدينة الشلف (الأصنام سابقاً) وهي مدينة صغيرة تشتهر بزراعة الفاكهة، وصمم والي الشلف على الاحتفاء بالوفود على وليمة طعام عامرة، وخلال هذه المأدبة تبادل معنا الحديث عن تلك المدينة التي أُعيد بناؤها بالكامل، بعد أن ضربها زلزال مدمر هدم 60 % من مبانيها قبل أكثر من عشرين عاماً.

في أروقة المنتدى، وعلى مدار أكثر من أربعة أيام، كانت النقاشات والحوارات حرة ومفتوحة وثرية وسط أجواء وهران المنعشة، طرحنا عديد الأفكار والمبادرات التي تصب كلها في هدف واحد يتعلق بكيفية إثراء التعاون والتكامل العربي، والتغلب على العقبات التي تحول دون هذا الهدف الكبير، في عصر لم يعد يعترف سوى بالأقوياء.

في إحدى الجلسات الجانبية، سألت رئيس المنتدى عبدالرحمان حمزاوي عن سر غياب المغرب عن منتدى تواصل الأجيال؟ فكان رده أنه وجه الدعوة لكافة الدول العربية بما فيها المغرب بالطبع، لكن لم تتلق الجهات المنظمة أي رد، وتفسيره أن الظروف ربما لم تسمح بمشاركة وفود من المغرب الشقيق.

رغم ذلك، كان التعطش والحنين للتقارب والتعاون والتلاقي لافتاً في أغلب جلسات ونقاشات المشاركين، فالمصري حرص على تناول الغداء على مائدة الجيبوتي، والعراقي دعا الكويتي إلى تناول الحلوى، والسوداني تجاذب أطراف الحديث مع العماني عن أنواع الطعام والعادات المشتركة بين الشعبين، وهكذا.

ورغم قطار الأزمات في ليبيا؛ فإن المشاركة الليبية الفاعلة عدداً وتنوعاً كانت ملمحاً بارزاً في هذا المنتدى، وغبطتني قوة وفاعلية منظمات المجتمع المدني الليبي وإصرارها على العمل وتقديم الدعم والمشورة والتدريب للسكان المحليين في مدن ليبيا المختلفة رغم الظروف المعقدة والصعبة التي يعملون في ظلها.

وأذكر من بين المشاركين الليبيين، ربيع الجواشي صائد الألغام، وطارق لملوم، وأستاذ القانون بجامعة مصراتة موسى القنيدي، وأستاذ القانون بجامعة سبها خالد إبزيم، وإيمان عويدات، وعيسى حقيق، وسن العاقل، وميسم المبروك، وأحمد حمزة، كلهم قادة في المجتمع المدني الليبي، من طرابلس وغيرها من مختلف المدن الليبية.

وسط هذا الزخم، كان مما يثلج الصدر أن النقاشات العربية - العربية التي سجلتها أروقة المنتدى لم تكن مجرد «مكملات» عربية لـ«فض المجالس»؛ بل على العكس وجدت بعض اقتراحاتي صداها في البيان الختامي للمنتدى، ومن بينها أن يحيي القادة العرب في قمتهم المقبلة كافة القرارات التي من شأنها توحيد الصف العربي، وإلغاء كافة القيود المفروضة حالياً على انتقال الأفراد ورؤوس الأموال بين الدول العربية، والتمهيد لإيجاد عملة عربية موحدة على غرار «اليورو الأوروبي»، على أمل الوصول إلى حلم إنشاء «الولايات المتحدة العربية»، وضرورة إصلاح منظومة التعليم، وإنشاء مرصد عربي للتصدي للأفكار التي من شأنها هدم الأسرة العربية وضرب القيم والأخلاق في المجتمعات العربية.

ولأن الحاضر لا ينفصم عن الماضي، فقد حرص القائمون على المنتدى على تنظيم زيارات للوفود المشاركة لمعالم مدينة وهران التاريخية منها حصن (سانتا كروز)، وهو البناء الذي يعانق السماء في أعلى قمة الجبل المطل مباشرة على ساحل المتوسط، الذي شيَّده الإسبان، بعد غزوهم المدينة في القرن السادس عشر.

ومن وهران إلى تلمسان، تلك المدينة الهادئة القابعة على الحدود المغربية - الجزائرية، كانت لنا زيارة خاطفة لبعض قلاعها وحصونها، منها قلعة المنصورة التي سميت بهذا الاسم بعد انتصار قادتها على الغزاة الأوروبيين.

قبل وداعنا تلمسان توقفنا أمام مرقد سيدي بومدين شعيب، أحد أبرز علمائها الكبار الذي حرص على إعداد جيش من أهل المنطقة والتوجه به إلى القدس لمشاركة صلاح الدين في صد الهجمات الصليبية التي استهدفت أولى القبلتين، وبعد عودته وافته المنية فدُفن في تلك البقاع.

أربعة أيام استثنائية عشناها وسط تطلعات الواقع وروعة التاريخ، جمعنا حلم الوطن الواحد من المحيط إلى الخليج، يحمي شعوب هذه الأمة ومقدراتها من مصائب الدهور، فهل يتحقق هذا الحلم؟