Atwasat

صدامات جس النبض

رافد علي الخميس 01 سبتمبر 2022, 02:30 مساء
رافد علي

اختتم الرئيس الفرنسي ماكرون زيارته للجزائر في عطلة نهاية الأسبوع الماضي التي وصفت في البلدين بـكونها «شديدة الأهمية»، إذ علق فرانسوا بايرو، الوزير الفرنسي السابق ورئيس حزب «الحركة الديمقراطية» الوسطي، والمقرب من ماكرون، قائلاً: «إن هذه الزيارة تأتي في توقيت هو الأخطر لفرنسا منذ الحرب العالمية الثانية». كما أن الميديا على الجانبين وصفت ذات الزيارة بـ «التاريخية» كونها شملت اجتماعات غير مسبوقة لكبار المسؤولين في الشؤون الأمنية والاستراتيجية منذ الاستقلال.

كان البيان الختامي للزيارة أشار بشكل مقتضب إلى «أما في ما يتعلق بقضايا الدفاع والأمن، سيجتمع الرئيسان مع مسؤولي البلدين على غرار اجتماع زرالدة المنعقد في 26 أغسطس 2022، كلما دعت الحاجة لذلك».

الملف الأمني في اجتماعات الدولتين انصب أساساً على الأزمة الليبية وملف الأوضاع بجمهورية مالي لامتدادهما على الوضع الهش بالعمق الأفريقي، كما يصف محمد ضروي، الخبير الجزائري بالتخطيط الاستراتيجي، الذي اعتبر أن الاتفاق الجزائري - الفرنسي بات يتجاوز الروتين في التنسيق الأمني المعتاد بين العاصمتين، إذ باتت الملفات الآن بمعلوماتها التفصيلية على مكاتب كبار المسؤولين في ما يخص القضية الليبية والأزمة الأمنية بمنطقة الساحل والصحراء، وليست كما كانت دائماً تحت يد ضباط صغار في الإدارات المختصة بباريس أو في العاصمة الجزائر.

الرئيس ماكرون في زيارته انتقد علناً تركيا، الضالعة في تفاصيل الأزمة الليبية بكونها تنشر دعاية مناهضة لفرنسا بأفريقيا ضمن شبكات تديرها مع موسكو وبكين، ووصفتها أنقرة بالتصريحات «غير الملائمة» و «ليست مقبولة»، وهو الأمر الذي لا يبتعد عن نقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأنقرة في مواجهته السياسية لتركيا في ليبيا، منذ أسابيع قليلة، حينما صرح لوسائل إعلام محلية بأنها من الدول التي «لم تلتزم بما اتفق عليه في برلين بمنع تدفق الأسلحة والمرتزقة، إذ أرسلت 3400 طن من السلاح لليبيا»، ومعروف أن تركيا امتنعت سبع مرات حتى الآن بقبول تفتيش سفنها المتجهة للموانيء الليبية بحسب تقارير عملية «إيريني» بحوض البحر المتوسط.

لتقارب الفرنكو- جزائري حول الأزمة الليبية يؤكد فشل محاولة أنقرة في استدراج الجزائر لصفها إبان الأزمة الدبلوماسية مع باريس التي تطالب تركيا بالاعتراف بالمجازر بحق الأرمن، فيرد إردوغان بمطالبة فرنسا بالاعتراف بمجازرها في الجزائر بفترة الاستعمار.
المقاربة الجزائرية في الأزمة الليبية قامت دائماً على تبني الحلول السياسية «المقاربة الناعمة والردع» بدلاً عن التورط والتدخل في ليبيا، في حين كانت فرنسا تميل للطرف الآخر المعتمد «المقاربة الخشنة»، لأجل تثبيت أقدامها عسكرياً في الأراضي الليبية لمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء، ولمحاصرة مرتزقة «فاغنر» الروسية المتواجدة بليبيا، التي سجلت لها حضوراً في جمهورية مالي وجمهورية وسط أفريقيا، ولازالت تتمدد الآن في العمق الأفريقي.

حالة التصعيد المسلح الأخيرة بالعاصمة طرابلس، التي يسميها بعض المراقبين «السبت الأسود»، لا يمكن قراءتها إلا من خلال تطورات الأحداث بين باريس والجزائر، وبغض النظر عن الرائج بأنها كانت حرب شوارع غير مسبوقة لأجل السيطرة على مقرات لميليشيات تصول وتجول بالعاصمة الليبية، فإن حالة زعزعة الأمن بشكلها المروع، وغير المسبوق، للأبرياء في المدينة، تصب - برأيي المتواضع - في خانة سياسة جس النبض لموقف كل من الجزائر وفرنسا حيال ليبيا، في محاولة لمعرفة مدى الجاهزية في التعاطي مع الصدامات بين أرباب المشهد القائم بين طرابلس والرجمة، ما لم نقل، إنها، بشكل عام، كانت محاولة استباقية لتغيير المشهد السياسي بطرابلس بقصد إفراغ أي تفاهمات استراتيجية دولية جديدة تجاه ليبيا من محتواها السياسي المنتظر، وكذلك تجريد تدابيرها الاحترازية أو الأمنية المستقبلية من مضمونها.

أمام ظاهرة صمت وسائل الإعلام الليبية، بأنواعها، إزاء تداعيات وتوابع «السبت الأسود» تبقى تحرشات المتورطين في الأزمة الليبية تنافساً عماده كالمعتاد خلط الأوراق، في ظل مختنق سياسي مزمن وحاد، يكابد فيه المواطن ويلات ليبيته، وفي ظل غياب فاضح لمشروع وطني حر ومستقل، يطرح بديلا حقيقيا للمعاش ببؤسه وفشله وفساده وبكل التيه فيه، وينعدم بالتالي وجود رأي عام فعلي يضغط ويطالب بليبيا، ككعكة، يتنافس عليها الأقوياء والإرهاب وأهل الفساد.

ستبقى أحوال ليبيا هكذا مفروشة على مسالك التجاذبات السياسية الدولية، ومعادلات المصالح المشتركة فيها، حتى إشعار آخر تصحو فيه الذات الليبية من غفوتها وسلبيتها في مسالك الضياع والفراغ المشبوه بمسلسل تشظي السلطة وتلاشي الدولة والفراغ الأهلي.