Atwasat

ليبيا.. بين وبين

رافد علي الخميس 25 أغسطس 2022, 11:37 صباحا
رافد علي

بين قرار تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بالعاصمة طرابلس، بعد سنوات من تعليق عملها، وبين حالة التصعيد بتجدد الصدامات المسلحة بين ميليشيات ذات المدينة وحالة الانسداد السياسي القابع على أنفاس البلاد منذ أشهر، وبين سقوط طائرة مسيرة «مجهولة الهوية»*، لازال الشأن الليبي، كأزمة لها تداعياتها على المنطقة، عربياً وأفريقياً، وكذلك دولياً بعد تجدد الفشل في تسمية مبعوث أممي خاص لليبيا؛ في خضم هذا كله برزت تحركات سياسية مهمة للدول المجاورة لليبيا، فعلى الحدود الشرقية عُقدت الاثنين الماضي قمة خماسية «طارئة» بمدينة العلمين المصرية، جمعت الرئيس السيسي بقادة كل من رئيس الإمارات، وملك الأردن وملك البحرين ورئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، لمناقشة العديد من القضايا، منها الأزمة الليبية المدرجة على جدول أعمال القمة، بكونها من القضايا المتعلقة بـ «الأمن الإقليمي والأوضاع الراهنة بالمنطقة العربية»، من دون نشر بيان ختامي رسمي يكشف مستجدات المواقف حيال ما تم نقاشه بين المشاركين في القمة، ليظل الحال محلاً للتكنهات وللتحليل.

في ذات اليوم صرح انداتو القاسم، وزير الدفاع النيجري من مدينة وكادوكو عاصمة بوركينافاسو، بأنه يعمل «لأجل أن تعود مالي لتحمل مسؤولياتها وتؤدي دورها» كطرف في القوات الأفريقية المشتركة، والمعنية بمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء. والقوات المشتركة الأفريقية تضم كلاً من تشاد والنيجر وبوركينافاسو وموريتانيا إلى جانب مالي المنسحبة مؤخراً، التي برر المجلس العسكري الحاكم فيها انسحابه من الخماسية الأفريقية المشتركة بـ «فقدان استقلالها.... واستغلالها من جانب حلفائها»، بعد حلقات من التوتر الدبلوماسي مع باريس، الأمر الذى دفع قصر الإليزيه، بالعاصمة الفرنسية، لنقل مقر قيادة عملية «برخان» الفرنسية إلى الجارة النيجر التى يترأسها محمد بازوم، الذي يتبنى سياسة «الحوار والردع» في قضية الإرهاب بالمنطقة، وله تنسيق لوجستي أمني وعسكري من الجزائر بسبب مخاوف أن إخلاء مالي من تواجد عسكري فرنسي يشكل فراغاً قد يحول مالي مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وما له من انعكاسات على دول الساحل الأفريقي ودول المغرب العربي عامة، والتي لازالت ليبيا تشكل الحلقة الأضعف بينها، بسبب عدم استقرارها والفراغ الأمني الذي يكتسح جنوبها المتاخم لتشاد والنيجر بشكل مباشر، وترابط بفزان قوات مسلحة انفصالية وعنيفة، مما جعل جنوبنا مسرحاً لعصابات التهريب والجماعات الإرهابية التي تتحين كل ما ستخلفه المواقف والثغرات.

تصريحات انداتو جاءت على هامش زيارة تنسيقية له مع وزراء الدفاع بمنطقة الساحل بعد «عملية تحييد» لعناصر لتنظيم «القاعدة» بمنطقة الصحراء. تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر اليوم الخميس، لاستضافة الرئيس الفرنسي ماكرون لأجل كسر الجليد المخيم على علاقاتهما الدبلوماسية، إذ ظلت توصف الدبلوماسية بينهما بـ «المتذبذبة» تسودها المجاملات الرسمية.

زيارة ماكرون الجزائر ستكون من محاورها الأزمة الليبية باعتبارها بؤرة توتر مستمر، وخط إمداد يستفيد منه الإرهاب في الصحراء بسبب الفراغ والصراع الداخلي علي السلطة، ولأن البلدين يقفان على النقيض سياسياً حيال الأزمة الليبية، فالجزائر رددت في أكثر من مناسبة بوقوفها مع حكومة الوحدة الوطنية باعتبارها «صاحبة الشرعية»، في حين تحتفظ فرنسا بروابط وثيقة مع المشير حفتر وجناحه السياسي المتمثل في برلمان طبرق وحكومته الموازية برئاسة باشاغا، الأمر الذي يجعل فرنسا قريبة من سياسة المشرق العربي حيال الأزمة الليبية، لكن زيارة ماكرون للقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، هذه المرة، قد تشير إلى أن ماكرون قد يبدي تجاوباً مع وجهة نظر الجزائر حيال الأزمة في ليبيا، خصوصاً أن زيارة ماكرون هذه المرة تأتي بقصد تعزيز التعاون الاستراتيجي والاقتصادي، بعد أن فقدت فرنسا موقع الريادة التجارية بالسوق الجزائرية مؤخراً لصالح إيطاليا وألمانيا والصين، كما أن لزيادة الضغط في الحاجة للغاز والوقود لقرب انتهاء فصل الصيف، يحشر فرنسا والقارة الأوروبية للتفاوض مع الجزائر لأجل تأمين الطاقة من مصادر بديلة عن روسيا، وفق مخططات الاتحاد الأوروبي المعلنة للتخلي عن الصادرات الروسية، فهل ستنجح الجزائر، كمفاوض بمركز قوي، في كسب باريس لصف سياستها حيال ليبيا؟ طالما أن بوادر الانفراج في العلاقة بين الجزائر وباريس تبدو سلسة المسالك لتجاوز محنة الذاكرة وحقبة الاستعمار وملف التجارب النووية والاعتراف بماضي الجزائر كأمة؟!.

بين هذه الأحداث، وبين احتمالية التطورات في المجال الإقليمي لليبيا، لازالت أحوال البلاد تتردى، والاحتقان السياسي على أشده مع تنامي السجال السياسي بالبلاد بقرار تفعيل الدائرة الدستورية بالبلاد بين مرحب ومشكك ومتخوف، إلا أن الأيام ستثبت ما إذا كان للقضاء الليبي النجاعة ليقف وقفة مع ذاته وليظهر لنفسه أولاً، ولمن حوله ثانياً، بأنه مؤسسة قادرة على كتابة سابقة عربية تسجل في تاريخه؟! وبأن القضاء الليبي، رغم حساسية الأوضاع بالبلاد، وحجم المخاطرة بالمرحلة الراهنة بكل تعقيداتها، أنه جهاز قادر على كبح جماح الارتجال السياسي الممارس لسنوات من عمر ساسة الأزمة، وارتهانهم لنهج خلط الأوراق ولغة الرصاص.
ستبرهن كذلك لنا الأيام، حتماً، ما إذا كان رجال القضاء الليبي على كفاءة للعمل لصالح البناء المؤسسي في وطن يجنح به ساسته نحو التيه والتلاشي؟. وسنعرف هل القضاء الليبي اليوم، كسلطة ثالثة، بات غير معني بعبثية تحقيق أجندة سياسية متورطة في الأهوال المعاشة والأخرى المتربصة بنا؟!.

بين هذا وكل ذاك، تبقى الأسئلة معلقة على أبواب المنافي وشُرف الانتظار.

* أعلنت قيادة أفريكوم رسميا أن الطائرة تابعة لها. (المحرر).