Atwasat

الحكمة في الساعة الخامسة والعشرين

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 31 يوليو 2022, 01:55 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يعرف ابن القيِّم الحِكْمَة بأنها: «فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي». وهذا التعريف يركز فقط على الجانب السلوكي العملي للحكمة، أي ما يمكن أن يسمى «الحكمة العملية». لكن «ما ينبغي» لابد أن يكون مسبوقًا برصيد معرفي مكتسب يمثل قاعدة لهذا السلوك العملي المبتغى. أي «حكمة نظرية». وثمة من يرى أن الحكمة تكتسب من الوقوع في الأخطاء وحالات الفشل، وليس من حالات النجاح. لأن مرور المرء بكم متراكم من تجارب الإخفاق والخيبة يحفزه على إعمال العقل بغية الكشف عن أسباب هذه الإخفاقات واستخلاص النتائج ورسم الاستراتيجيات الكفيلة بجلب النجاح.

وهذا يعني أن للحكمة درجات، وأن الأشخاص الذين نصفهم بأنهم «حكماء» يتفاوتون في درجات امتلاكهم للحكمة.

لكن، من جانب آخر، قلما نجد شخصًا يقر بأنه تنقصه الحكمة. فغالبية البشر يعتبرون أنفسهم «حكماء» إلى هذا الحد أو ذاك.

وفي هذا السياق تروى حكاية شعبية، مؤداها أن أشخاصًا حملوا «العِرف (= الحكمة)» على جمل (لأن الحكمة ثقيلة، في ما يبدو) وذهبوا به إلى السوق وأخذوا ينادون:
- يا من يشري عِرف!

استمروا في مناداتهم هذه إلى أن انفضت السوق، ولم يتقدم أحد لشراء «العرف»، لأن لا أحد يرى أنه ينقصه «العرف».

اشتق لفظ «الحكمة» من «الحَكَمَةُ: ما أحاط بحَنَكَي الفرس، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها، حتى تمنعها من الجِماح»، وبهذه الاستعارة تكون «الحكمة» لاجمة للمرء عن الاندفاع في السلوك دون تريث وترصن وتدبر. وتتميز الحكمة عن الذكاء من حيث أن الذكاء نجابة وسرعة في الفهم والاستنتاج والربط بين الأمور، لكنه يمكن أن يستخدم في الإساءة إلى الآخرين وفي جوانب شريرة، على حين أن الحكمة مجالها الخير وإفادة النفس والغير.

إلا أن الحكمة كثيرًا ما يكتسبها المرء في الوقت الضائع، في الساعة الخامسة والعشرين، حين تكون فرصة الاستفادة منها قد ولت. لهذا قال هيغل إن بومة مينيرفا (رمز الحكمة) لا تحلق إلا عند الغسق. أي عند استحكام الأزمة. وفي رواية «دون كيشوت» يقول «دون كيشوت» وهو يحتضر «عشت أحمقَ وأموت حكيمًا»، ويقول مثل لأحد الشعوب «الحكمة هي المشط الذي تهبنا إياه الطبيعة، بعد أن نصبح صلعًا».

لذا نرجو أن تظهر بوادر الحكمة على أمراء الحرب والسياسيين الليبيين قبل الساعة الخامسة والعشرين، الساعة الإضافية التي تكون إمكانية تحقيق الاستفادة منها ضئيلة جدًا.