Atwasat

بعد رحيل بوريس

جمعة بوكليب الأربعاء 20 يوليو 2022, 10:53 صباحا
جمعة بوكليب

العالم هذه الأيام يخلو من أخبار طيبة، هذا ما قالته صحافية أمريكية اسمها ميشيل غولدبرغ في مقالة نشرتها في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" بتاريخ 12 من الشهر الجاري، وأنا لا أخالفها الرأي. نظرة واحدة خاطفة إلى ما يحدث في العالم من كوارث طبيعية أو عواصف سياسية أو حروب واجتياحات عسكرية، يجعل المرء منّا يضع كلتا يديه، وليس يداُ واحدة، على صدره، خشية أن يبلغ قلبه حنجرته خوفاً، أو يسقط في جوفه هلعاً، من هول ما يحدث من فظائع.

ولأن الوقت لا يسمح للمرء بالخوض في كل مشاكل العالم، في سطور قليلة، فمن الأجدى له التركيز على الجزء القريب منه. وفي حالتي الشخصية ما شهدت لندن من عواصف سياسية مؤخراً.

سقوط رئيس الحكومة البريطانية السيد بوريس جونسون يوم 7 يوليو الجاري أثبت أن قوانين الجاذبية لا تستثني أحداً. الفرق أن البعض يسقط من أول هبة ريح، في حين أن البعض الآخر يحتاج إلى هزة من عاصفة شديدة. السيد جونسون من النوع الثاني. جاء وقت وصل كثيرون إلى قناعة بأن السيد جونسون لا تطاله قوانين الجاذبية. ولذلك السبب وصفه بعض المعلقين بأنه قط بتسع أرواح.

وبالطبع، هذا لا يعني أن تلك الأرواح التسع باقية لا تستنفد. لكن بالتأكيد يعيش صاحبها لفترات أطول، مقارنة بغيره. وهو حين، أخيراً، يستنفد الروح التاسعة والأخيرة، يسقط من عليائه، وليس مثل سقوط آخرين سبقوه، بل بإحداث هزة، أو فرقعة مدوّية.

في فترة زمنية مضت قرأت رواية لكاتبة بريطانية نسيت اسمها. الرواية على ما اعتقد بعنوان "بعد نايجل." سقوط السيد جونسون جعلني أتذكر تلك الرواية، بل وأفكر في أن عنوانا مشابهاً مثل "بعد بوريس" يصلح لأن يكون عنواناً لرواية مثيرة، لا تختلف عن الإثارة التي أحدثها خروج السيد جونسون من المسرح السياسي البريطاني، وقد تكون إرثه (Legacy) الذي سيذكره به المؤرخون.

مرحلة ما بعد بوريس جونسون متميزة بميزة استثنائية، وهي إمكانية أن ينتخب حزب المحافظين، خلال الأيام القادمة، أول زعيم له من الأقلية، وفي ذات الوقت تحظى بريطانيا بأول رئيس حكومة آسيوي، ألا وهو وزير الخزانة السابق السيد ريشي سوناك.

حزب المحافظين البريطاني، على عكس غريمه التاريخي اليساري حزب العمال، سبق له وأن كسر جدران التابو السياسي عام 1975 وانتخب امرأة (السيدة مارجريت ثاتشر) زعيماً للحزب، السيدة ثاتشر قادت الحزب لمدة 11عاماً، وفازت في ثلاثة انتخابات نيابية متتالية. والأهم أنها (وهي المحافظة سليلة حزب محافظ) أحدثت ثورة غيّرت بريطانيا.

الموقف الشخصي من تلك الثورة ( مع او ضد) ليس بأهمية ما حققته فعلياً. والذين يتابعون انتخابات الزعامة الحالية في حزب المحافظين لا تفوتهم ملاحظة أن المرشحين للزعامة، رغم اختلافهم، يدعون جميعا أنهم خلفاء السيدة ثاتشر. السؤال الآن: هل يفعلها المحافظون مرة أخرى ويكسرون تابو اللون الواحد، ويننتخبون ابن مهاجرين هنديين ليكون زعيما لهم، كما كسروا من قبل تابو الجندر، وانتخبوا امرأة؟

من الملاحظ أن البريطانيين رغم ما عرفوا به من ليبرالية، ظل تابو اللون، إلى حد ما، واضحاً في المشهد السياسي. وعلى سبيل المثال، كان للأقلية العرقية والدينية نصيب في حكومة السيد جونسون، وربما تكون وزارته الأكثر تمثيلا للأقليات من كل الحكومات السابقة.

ورغم ذلك، لم يجرؤ البريطانيون على تجاوز الخط العرقي في مسألة الزعامة حتى الآن، على عكس ما حدث في أمريكا عام 2008. فهل يصاب قادة ونواب وأعضاء حزب المحافظين هذه المرة بعمى الألوان السياسي، ويقودون بريطانيا إلى مرحلة سياسية غير مسبوقة؟

المؤشرات تنحو إلى احتمال حدوث ذلك. والتقارير الإعلامية، على اختلاف مصادرها، لا تستبعده. وليس أمامنا سوى الانتظار حتى يوم 5 سبتمبر القادم، وهو اليوم المقرر رسمياً لظهور نتيجة الانتخاب.