Atwasat

حالتنا الليبية

سالم الكبتي الأربعاء 20 يوليو 2022, 10:50 صباحا
سالم الكبتي

«خذينا على شي شين ما نعرفوه.. ع الوقت يوه.. كل يوم يهلب يوريك خوه»
الشاعر جلغاف الفاخري «توفي العام 1957».

مثل مرض مزمن.
مثل رجل فقد عقله.
مثل عزاء لايتوقف عويله.

تبدو للعين حالتنا الليبية الراهنة بسهولة ويسر. بات يلاحظ من الجميع منذ فترة بعيدة وقريبة معاً الحالة المتردية والنطيحة التي وصلت إليها ليبيا وشعبها دون علاج. لقد انزلقت تماماً في مهاوٍ مظلمة الغور غداً يصعب معها كل الحلول والاقتراحات وأنواع الدواء أمام عناد الأطراف المتصلبة عندنا كل لحظة، كل ساعة، كل يوم، كل عام، فليس ثمة من يتنازل أو يؤخر خطوة بقدميه الاثنتين من أجل ليبيا وطناً وشعباً وتاريخاً ومستقبلاً يطمح إليه.

والحاصل أيها السادة يا من يهمه أمرنا، باتت بلادنا ليبيا في وضع يؤسف له ويصعب حتى على الكافر الذي صلى قريباً من أجلنا في قداس يوم الأحد ورق قلبه لحالنا. وذلك أمر لاشك يدعو إلى التوقف والمتابعة.. والذهول أيضاً لما جرى ويجري إلى درجة تميت القلب وتوقف نبضاته.

لقد بات في الوقت ذاته.. الليبيون موتى في جميع الجهات ينتظرون الأكفان فقط ثم الدفن وإهالة التراب. إنهم موتى في الحياة وليقل التاريخ بملء شدقيه وبكل مرارة.. «أهيلوا مزيد التراب، فهنا كان الشعب الليبي»!

والحاصل أيضاً في هذه اللعبة التي أصابت الجميع بالدواخ، أن الطرق كلها التوت ولم تعد مستقيمة نحو أي اتجاه ونحو أي مسار. وأن الدروب ضاقت ثم اعوجت أيضاً إزاء استمرار المزيد من تصلب الأطراف جميعها التي تزعم «!» بأن لديها حل الأمور وتعتقد أنها «ولية أمرنا ونعمتنا في هذه الدنيا»، وأضحى كل من في «اللعبة» يجري وسط السباق ويحرص على مصلحته الخاصة وينتهز الفرص تلو الفرص لتحقيق منافعه الشخصية على الدوام.

والحاصل المحزن في هذه الحالة الراهنة والدرب المعوج أن الشعب الليبي بأسره وقع في الأسر مثل أسد مهيض الجناح.. أسر هذه الخلافات والتداعيات والأزمات، ولم يستطع الفكاك منها أو الخروج من خلالها إلى وضع يبشر بالخير والتفاؤل.

لقد ضاقت عليه السبل بما رحبت.. فهل يستحق شعبنا كل هذا الذي يجري.. وهل لايدعو ذلك إلى الحزن علينا ورثائنا والصلاة من أجلنا.. أو علينا ونحن أحياء في قداس يوم الأحد الذي مضى؟! وهل ستتكرر الصلوات والدعوات؟

هذا يحدث أيها السادة يا من بيدهم أمورنا جميعاً هنا وهناك.. قريباً وبعيداً.. داخل الحدود وخارج الحدود. ظل يحدث في وضح النهار وتحت ضوء القمر في لياليه الساطعة والمظلمة أمام أعين الشعب، فاغر الأفواه الذي تستحق حالته الراهنة الصلاة والدعاء.

يحدث أمام العالم الذي يرق قلبه لكل شيء ويتغاضى عن كل شيء ولا تهمه إلا مصالحه وأموره في كل شيء وعبر كل الخطوط. أمام العالم الذي يصلي من أجلنا ويرانا ونحن نموت كل يوم.. كل ساعة.. كل عام، ولا يتحرك ولايريد أن يتحرك سوى بالصلاة على أرواحنا في قداس يوم الأحد، وسوى للحاجة التي تدعوه لأن يرق قلبه الشفوق لسواد مصلحته الخاصة بالطبع وليس لسواد عيوننا وحالتنا المبكية.. فالعالم مثل ولاة أمورنا يتفق معهم علينا في المصالح والأمزجة.. أما غير ذلك.. فلا على الإطلاق.

هذا يحدث أيها السادة يا من رأيتم الصلاة التي لم تكن إلا مكاء وتصدية أو سمعتم بها.. يحدث في وجود المجالس والمناصب والمستشارين وذوي الخبرة والمحاكم والقانون المعطل والدستور الغائب واللجان المستديمة مثل عاهة من عاهات هذا الزمن والوزارات والإدارات والمرافق والمحللين والكتاب والمثقفين والفلاسفة وصفحات التواصل والغزل في العيون وبكاء الليبيين مثل صغار قطط في وجود «دولة!» منعدمة الوجود في الأصل ومنقسمة على بعضها، وتدور في الخواء، وتتناطح مع مطلع الشمس كالثيران في ملاعب إسبانيا، ويشمت أبناؤها في بعضهم ويأكلون أنفسهم ويلعنون وطنهم ويمضغون سيرهم في شماتة وغل كل يوم.. كل لحظة.. كل ساعة.. كل عام.

هذا يحدث والصلاة تقام علينا ونحن أحياء وليس ثمة من يعتريه الخجل من أي مسؤول تهمه مصلحة ليييا، ومن يصلون عليهم في غير اتجاه القبلة. وظل الأمر مهولاً ومرعباً إلى حد لا يطاق بتعاظم الأزمات وتفاقمها وتلاحقها.. أزمة وراء أزمة مثل الموجة التي تجري وراء الموجة الأخرى التي سبقتها.

فلماذا يحدث ما يحدث عندنا دون غيرنا، وبهذا الشكل المبرمج والمنظم والمعد منذ فترة في بلد إمكاناته وموقعه وموارده وظروفه السكانية والاجتماعية والاقتصادية وكل المقدرات التي بمقدورها جعله بلداً آمناً مطمئناً ينعم وأهله البسطاء بالرخاء والسكينة. لماذا يحدث ذلك ولماذا لا نبحث عن الجواب وسط الخيوط المتشابكة والمعقدة.

مشكلة وراء مشكلة، تخلف واضح ومريع، ومشاركة من الجميع في ضياع الوطن إلى درجة انتشر معها الحريق وفاحت رائحة الشياط. ولا أحد يتحرك. أو يستجيب أو يرى ما يحدث بعينين بصيرتين ويقترب منهم. الكل خائف على نفسه من الحريق ومن سخام الشياط.

لم نسمع مسؤولاً خالداً يصرخ أو يشكو حالة الوطن والمواطن. لم نرَ مسؤولاً يتباهى بلباسه وبوزاته وتصرفاته وبطنه المنتفخ يترك منصبه في الوزارة أو كرسيه في مجلس النواب أو في «الرئاسي» أو في الدولة «إذا كان ثمة دولة!» احتجاجاً أو حزناً أو ألماً أو شعوراً بالمسؤولية في وجه التاريخ على حالتنا الليبية الراهنة التي ظل يضرب بها المثل.. على ما يحدث للمواطن من قهر وآلام وعذابات.. كل لحظة.. كل ساعة.. كل يوم.. كل عام. لم يصلوا من أجلنا مثلما صلى علينا الحوت في قداس يوم الأحد!

والواقع أن هؤلاء الولاة يعشقون رائحة الشياط والحرائق، وعلى ما يبدو استسهلوا الأمر وأضحى عنادهم عادة لازمة يقومون بها ويتحدون بها حالتنا رغم الاحتجاجات والصلوات والحرق والتخريب الذي لابد أن يحدث إزاء هذه الحالة والشتم والإهانات. وذلك أمر عجيب في أن يظل أمثال هؤلاء جزءاً من المشكلة وليس من الحل.

إنهم جميعا أيتها الحالة الليبية الراهنة «المشكلة»على حد سواء. إننا لانحتاج إلى الصلوات من أحد، لكننا لو كان هناك من يفهم ويدرك ولديه عقل وتفكير.. نحتاج إلى رجال مسؤولين لديهم شيء اسمه ضمير قبل أي شيء آخر. رجال تهمهم ليبيا. يهمهم مواطنها الممزق في كل الاتجاهات بالدرجة القصوى، مسؤولين لديهم يقظة ووطنية.. فهل نخلق هؤلاء من جديد.. أين نجدهم. هل نحضر الملائكة لأنقاذنا مما نحن فيه؟!

إن الذي يحدث سيظل يحدث، ويبدو أن التغيير في تخلف العقول والأفكار صعيب المنال حتى هذه اللحظة.. حتى هذه الساعة.. حتى هذا اليوم.. حتى هذا العام؛ لأن من في السلطة بجميع تنوعاتها في بلادنا الطويلة العريضة لا يحسون بحزننا وبحالتنا الراهنة في الوقت الذي يتحسسون فيه بطونهم ويحسون بإحتياجاتهم ورفاهيتهم التافهة على حسابنا ولم يشبعوا من لحومنا حتى الآن.

إن ليبيا لا تحتاج إلى الصلوات يوم الأحد. ليبيا تريد رجالاً يسعون في الأرض إصلاحاً وتضحية ويسهرون من أجلها وأجل أبنائها المحتاجين إلى التقدم والحضارة والتعليم والعلاج والتربية الوطنية والخدمات وبناء الوطن بكل شجاعة بعيداً عن الأنانية وبقية الأمراض. ونحن لم نزل نغني أنشودة الحزن العميق ونرى حكمة اليوم المعلقة على كل الأبواب الموصدة في وجوهنا القائلة في صفاقة وبرود: «أنا ومن بعدي الطوفان»!!.. فمن سينجو من الطوفان الكبير.. إذا حدث؟!