Atwasat

براءة التشاؤم

عبد الكافي المغربي الخميس 07 يوليو 2022, 03:39 مساء
عبد الكافي المغربي

«بالتريس» يستأدي منا أكبر التشاؤم، ليس فقط لعنوانه المشبع بالحميم الذكوري والعنفوان العدواني، وإقصائه للمرأة الليبية (من صدق عزمهن منهن على النزاهة) من تقويض هذا البنيان المنهار. «بالتريس» نسخة من انتفاضات الشارع العشوائية، كثورة العشرين في العراق التي باءت بإخفاق مشين ضد حزب «سارع املأ جيبك.. وفي الغرب السعيد ابني قصرك». يغضب الشارع، والشارع يفتقر إلى الوعي السياسي، يهب غضبه لأسباب اقتصادية، فالحل السياسي لا يرجى منه.

في نقاش مع الكاتب جمعة بوكليب، ومع بدر الدين المختار الورفلي، صادفت منهما تفاؤلا بأن ليبيا، وهي أكثر الأمم العربية تخلفا وأشدها تشرذما، حتى لتبدو العراق إزاءها دولة استقرار وانتعاش، سترمم نفسها، وتنتخب رئيسها الملتزم بقواعد الديمقراطية الغربية، والتي استقرت عند قادتنا، وعلى امتداد عقد وبعض عقد، تحت «السباط».

وإذا كان هذا حال مثقفينا من التفاؤل، فكيف تكون صورة المستقبل عند المواطنين المغرقين في الجهل والمتخبطين في انقساماتهم التصورية؟ يقول بعضهم «سيف الإسلام خطوة للأمام»، وطائفة تريد دستور 1951 الفيدرالي بدون النظام الملكي، وأخرى ترفض الحكم العسكري وإن أتى عبر بوابة الانتخابات. في هذا المعترك الطائفي الذي أوقدته التدخلات الدولية، والتي لا يردعها خيار ديمقراطي لمد صراعها إلى هذه الأرض الخاسرة خسرانا مبينا، يكون النموذج الأفغاني أو الصومالي، أكثر من الحل العراقي القائم على القوة القاهرة لحلفاء إيران لفرض سلطة الحكومة الفاسدة على كامل مساحة البلاد، مستقبل بلادنا الكئيب، بما يعد المتسلطين والفاسدين من مكاسب وتوسع مشاريعهم التي تدعم الاقتصادات الغربية بدخلها الضريبي، ولسوف تنسلخ أجيال من خصائص النوع الإنساني، وتنحدر إلى وهدة البهيمية، المحرومة والهدامة.

في غياب توافق برقاوي- طرابلسي، يكون توافق الوجوه الجديدة من حكماء ومشائخ وحركيين، بما أننا نكفر بالكيانات المتكسبة، على عودة الملكية، تنبسط آفاق الخسارة والإحباط، والجهل المريع، ويفتتح عهد ملوك طوائف طويل ممتد، يحرم فيه شعبنا ويتعذب فيه أبرياؤهم، ولا ينهيه حتى نضوب النفط أو استغناء الغرب عنه، فشهوة السلطان تمكنت في أفقر الدول الفاشلة، مثل السودان وفنزويلا، حتى لا يبدو تسليم السلطة أمرا محتملا في المستقبل المنظور.

كتب غربيون، ما أخلقهم بفرض راديكاليتهم على شعوب تواجه تحديات مغايرة وتتجذر في ماضٍ مختلف، في مناسبات عدة، منها مقال Declan Walsh لنيويورك تايمز حول حكمة استعادة الملكية في هذا البلد الممزق، لما كان لها من تاريخ أنجزت فيه توحيد الأمة وتحقيق نهضة اقتصادية وعمرانية وتعليمية غير مسبوقة في القارة. وإذا كان هذا موقف الكاتب الغربي الذي لم تلفحه أسواط الأزمة الليبية وتقلبه تداعياتها في مرجل التشاؤم، مثلما هبطت بي إلى أسافل اليأس وحشدت قواها لتحطيم رغبتي في الإشباع المعرفي والاستقلال المادي، فما أخلقنا نحن بالتشاؤم، فمن هزائم العقلانية الإنسانية تفاؤلها.

إذ يدرك الأدب الوجودي أنه يعالج مشكلة ذرة حقيرة تنتصب في خطورة شأن إزاءها بلايين الكواكب وتريليونات الذرات، في جوهره أدب تشاؤمي، إنه وجودي بقدر ما يعالج مشكلة اصطدام الإنسان بالعدم، لكنه لا يلتبس بتفاؤل المسيحية أو عقلانية الاستنارة، بل ينتهي إلى لمحة كئيبة: الوجود في العدم، وحريتنا في أن نواجه مشكلة مهزلتنا أو نتقوض إزاءها.