Atwasat

السيارة مش عم تمشي يا ستيفاني

سالم العوكلي الثلاثاء 28 يونيو 2022, 11:37 صباحا
سالم العوكلي

حوار أجرته الإعلامية جيزال خوري، الأحد الماضي، في برنامجها (مع جيزال) بقناة سكاي نيوز، مع مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، عبرت فيه ستيفاني، منذ البداية، عن أنها ستركز في حديثها عن التدابير الانتقالية والبنود اللوجستية للانتخابات القادمة، وعبر روشتة الانتخابات، عالجت معظم الأسئلة التي وجِّهت إليها حيال معنى البنود اللوجستية والتنظيمية التي تقصدها، وعن أهمية المسار العسكري مقابل السياسي، ومدى تأثير القوى الخارجة على الأزمة الليبية وملفها الأمني.

ولماذا لا تُفرض عقوبات على من يستخدمون المرتزقة في عرقلة أي مسار بديل، وكانت إجاباتها الحالمة تدور حول الانتخابات التشريعية والرئاسية المتزامنة التي ستحل كل هذه المشاكل، وهو ضرب من القفز إلى الأمام، لأن ما سُئلت بشأنه هو العقبة الكأداء أمام أي استحقاق انتخابي لحل مسألة الشرعية، والعلاج الذي تقترحه لن يفيد مع ظاهرة الإنكار التي يصر عليها ممثلو المجتمع الدولي حيال الداء الأصيل في الأزمة الليبية.

تحدثتْ بفخر عن إنجاز اجتماعات لجان مجلس البرلمان وما يسمى بمجلس الدولة لمدة 23 يوما في القاهرة، وأن نجاحها يكمن في التوافق على أغلب مواد الدستور، غير أن ما تم التوافق عليه حقيقةً هي مواد إنشائية لا خلاف عليها في الأساس، والنقاط الرئيسية المختلف عليها هي لب وصميم القاعدة الدستورية.

وهي المواد نفسها التي واجهت لجنة صياغة الدستور في ليبيا قبل سبعين عاما إبان إعداد الدستور لأول دولة وطنية في هذه الجغرافيا، وهي تتعامل، وفق حديثها، مع نتائج وليس مع جذور مشكلة عميقة عادت هواجسها بعد أن انزاحت دولة الإكراه التي حولت كل هذه المشكلات الكامنة إلى مكابيت سياسية واجتماعية وجغرافية، سرعان ما انفجرت بعد أن زالت قوة الإكراه، وبدأت صراعات السلطة والنفوذ في مجتمع لا دولة فيه.

وتورطت بعثات الأمم المتحدة المتلاحقة في إدارة هذا الصراع دون أن تلتفت إلى أن الصراع على السلطة، أو المحاصصة، دون وجود لدولة، سيظل نوعا من العبث الذي يدور بنا في حلقة مفرغة.

وفي سياق حديثها عن المسار العسكري، ولجنة خمسة + خمسة، ذهبت إلى أن نجاحه كان في وقف إطلاق النار الذي استمر لعشرين شهرا حتى الآن، وفي عودة الأمان إلى طرابلس.

وهي تدرك جيدا أن هذا المنجز لم يتم عن طريق بعثة الأمم المتحدة التي ظلت صامتة حيال حرب الجيش على طرابلس في انتظار واقع جديد، وما غيّر المعادلة هو التدخل التركي، أو بمعنى أدق التنسيق الذي تم بين تركيا وروسيا كما حدث في سوريا، وربما استثمرت البعثة في الواقع الجديد على الأرض.

وحاولت أن تستغله سياسيا لرسم خارطة جديدة عبر الهروب بالملف إلى الخارج مرة أخرى، وتشكيل جسم جديد، وهي قفزة أخرى في الضباب، كان يمكن الاستعاضة عنها بالعمل على توحيد مجلس النواب كسلطة منتخبة، لكي يكلف حكومة وطنية، بدل مراكمة الاتفاقات والأجسام التي تزيد الأزمة تعقيدا وتشظيا كما نشهد الآن.

وعن السؤال المتعلق بتأثير القوى الخارجية، أفادت بأن وجود المرتزقة ليس سراً، وأضافت معلومة غريبة بكون المرتزقة موجودون في ليبيا منذ عقود، وهي قفزة أخرى هذه المرة إلى الخلف عبر ذكر معلومة لا تمت للحقيقة بصلة، وهذا القفز الطويل، مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف، ناتج عن عجز واضح في التعامل مع الراهن المعقد الذي يستلزم الخروج منه استحقاقات بناء صعبة لا أحد جاهز لها.

ورغم أن، كما قالت، إخراج المرتزقة أول بند في اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنها لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى الميليشيات الخارجة عن القانون، أو ما أسميها المرتزقة المحلية، التي تفرض نفسها فرضا على المشهد السياسي في ليبيا، بل ذكرت أن توحيد المؤسسة العسكرية يتم عبر اتفاق رئيسَي أركان الجيشين في الغرب وفي الشرق.

ولا أعرف عن أي جيشين تتحدث، وفي قفزة أخرى إلى الأمام اعتبرت أن حل مشكلة المرتزقة لن يتم إلا عبر حكومة منتخبة ذات سيادة قادرة على فعل ذلك، ولهذ السبب نركز على الانتخابات. ومن جديد تعود للعبة الدجاجة والبيضة، فالانتخابات لن تتم إلا بعد خروج المرتزقات بكل أنواعها، الأجنبية والمحلية، ولكن هذه المرتزقات في الوقت نفسه لن تحل مشكلتها إلا بعد الانتخابات، وهي الدائرة المفرغة التي استنفدت كل الجهود الداخلية والدولية لحل الأزمة منذ عقد أو أكثر.

وعما يتعلق بالعقوبات على جالبي المرتزقة والمعرقلين ولماذا لم تُنفذ، أقرت بأهميتها لكن عبر قولها إننا لم نتوقف عن الحديث عنها، ولابد أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وهي طيلة الحوار لم تُسمِّ شيئا باسمه، لكنها استدركت أنه لا بد أن نكون واقعيين وبراغماتيين في التعامل مع الأزمة الليبية، ولم أفهم ماذا تقصد بالواقعية إلا إذا كانت تعني التعامل مع تفرضه سياسة الأمر الواقع، غير أني أستطيع أن أفهم ماذا تعني بالبراجماتية.

وهي نهج عملي يصلح لإدارة دولة قائمة ومستقرة لديها مشاكل جزئية، لكن لا يمكن أن يصلح في مهمة هدفها بناء دولة على حافة الفشل، وهذه البراجماتية هي الاسم الآخر لإنكار الأسباب الحقيقية للأزمة التي تقفز فوقها كل المبادرات، وهي التي اعترفت بأجسام غير شرعية تحت بند سياسة الأمر الواقع.

وراكمت هذه الأجسام فوق بعضها البعض، وهذه البراجماتية هي التي تعترف وتشرعن الميليشيات مادام توازنها في القوى يحقق نوعا من الأمن حتى وإن كان مؤقتاً، والبراغماتية هي التي جعلها تسكت عن الرِّشى والمال الفاسد الذي جاءت عبره آخر سلطة (المجلس الرئاسي وحكومة ادبيبة)، والبراغماتية هي التي تجعلها تستمر في الاعتراف بهذه السلطة رغم نهاية مدتها المحددة وفشلها في كل المهام التي كُلقت بها، والبراجماتية هي التي جعلتها لا تتطرق إلى الفساد كسوس ينخر كل محاولة للخروج من النفق، والذي سماه رئيس البعثة السابق، غسان سلامة، نهبا معلنا.

وبعثة الأمم المتحدة بكل رؤسائها لم تضع طيلة عقد أي استراتيجية جدية للرقابة المالية أو الشفافية أو مكافحة الفساد، ويكفي أن نقول أن ستيفاني نصبّت على الليبيين حكومة فاسدة جاءت عبر الفساد، لندرك مدى فداحة هذا الملف الذي أصبح جزءا من سياسة الأمر الواقع، والسكوت عنه أيضا نوع من البراجماتية.

وعن سؤال جوهري وجهته جيزال: هل تعتقدين أن ليبيا جاهزة للانتخابات؟ أجابت: يجب أن تسألي 3 مليون ناخب ليبي، سجلوا في القوائم لأنهم يعتقدون أن ليبيا جاهزة. وهي تجيب بيقين وكأن الانتخابات استطلاع رأي يمكن أن ينجز في مواقع التواصل، فمهمة الأمم المتحدة منذ البداية أن تجعل المناخ جاهزا للانتخابات، وهذا يتطلب جهدا هائلاً عبر تفعيل مسار جاد للمصالحة الوطنية، وجمع السلاح الخارج عن القانون وتفكيك الميليشيات المسلحة، وإرساء نظام رقابة مالية لكبح الفساد المنتشر.

وإعادة تنظيم الجنسية في ليبيا ومنظومة الرقم الوطني التي تم التلاعب بها، وتوفير بيئة آمنة ومحابية لهذا الاستحقاق، لكن للأسف فشلت بعثات الأمم المتحدة وما شكلته من اتفاقات وأجسام في كل هذه المهام، وتعاملت ببراجماتية مع ضغوط الواقع الطارد لفكرة الانتخابات والشرعية من أساسها.

دغدغت ستيفاني وجدان 3 مليون ناخب ليبي لكنها،، في الواقع لم تحترم هذه الملايين حين تجاهلت إجراء السلطة الوحيدة المنتخبة من قِبلهم في سحب الثقة من حكومة ادبيبة وإعطاء الثقة لحكومة وطنية جديدة، واعتبرت أن جلسة البرلمان مشكوك في شرعيتها، ولم تشكك في الفساد الذي جاءت به حكومتها من جنيف، والذي تحدث عنه موظفون من الأمم المتحدة وأعضاء من داخل لجنة الخمسة وسبعين.

وحتى إذا ما شطحنا في التفاؤل مع السيدة ستيفاني، وقامت انتخابات بشكل معجز، فإن ما سوف يحدث بعد الانتخابات؛ في ظل الواقع الذي حافظت عليه البراجماتية، سيكون أكثر فداحة مما قبل الانتخابات، بسبب الملفات العالقة التي سبق ذكرها، وفي هذه الحالة ستدرك ستيفاني أن البراجماتية التي تعمل بنجاح في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تناسب مجتمعا دون دولة في ليبيا، تاويله الوحيد للبراجماتية هو الانتهازية.

ولا تناسب مجتمعا عاد، بكل ما تعنيه الكلمة، إلى مربع التأسيس الأول لدولته قبل سبعين عاما، ولو تطّلع ستيفاني على كتاب أدريان بيلت، وتقارن تلك الخلافات والجدالات حول القاعدة الدستورية التي حصلت منتصف القرن الماضي، بالجدالات التي حصلت تحت إشرافها في القاهرة، فستكتشف أن ذاك المشهد الذي كان يُصوَّر ويُبث بالأبيض والأسود نفسه المشهد الحالي ولكن بالألوان.

طبعا مع اختلاف جذري بين طبيعة الأمم المتحدة في ذلك الوقت وطبيعتها الحالية، وبين رؤية المفوض في ذلك الوقت ورؤية المفوضة الحالية التي ستغادر مهمتها نهاية الشهر بعد أن زاد الملف الليبي تعقيدا.

ستمشي ستيفاني، لكن، وكما تغني فيروز: السيارة مش عم تمشي.. بدنا حدا يدفشها دفشي.. بيحكوا عن ورشة تصليح وما عرفنا وين هي الورشي. وكل مبعوث دفش سيارة ليبيا دفشة إلى الخلف أو إلى الأمام، وتنقلت بين ورش التصليح في عواصم العالم لكن لا أحد شخّصَ العطل.