Atwasat

الطبطبه!

محمد عقيلة العمامي الإثنين 23 مايو 2022, 02:01 مساء
محمد عقيلة العمامي

«منذ أكثر من ربع قرن صدر كتاب (جون غراي) - (الرجال من كوكب المريخ والنساء من كوكب الزهرة) - وطُبع عشرات المرات، لأنه يتناول مسألة غاية في الأهمية، لأنها مشكلة العالم كله، بمختلف أصقاعه وقناعاته. الكتاب يتناول الطرفين المسؤولين عن إنتاج البشر كافة. إن الذكر والأنثى هما أساس عناصر هذا العالم كله، بما فيه من خير وشر، علم وجهل، تقدم وتخلف، سعادة وشقاء، إيمان وكفر، صدق وكذب؛ باختصار شديد البشر كافة، فببساطة شديدة نستطيع القول أن المسؤولين عن ذلك كله هما المرأة والرجل»!

مؤلف هذا الكاتب هذا، اعتمد على سنوات عمله كمستشار ناجح لعنصري «المؤسسة الزوجية» وهما الذكر والأنثى، وتناول بيُسر بالغ تكثيف خبرته في مناقشة الرجال والنساء، ووضعها نصوصًا ساعدت بالفعل على إدراك اختلافاتهما الأكيدة، وبالتالي فهم كيفية التواصل بطريقة لا تثير الصراعات، بل وتؤسس قاعدة للعلاقات الحميمة بين الطرفين. ولذلك لا نستغرب أبدًا أن ملايين الكتب طبعت منه ونشرت بأكثر من عشرين لغة عالمية حية! أذكر أنني كتبت عنه، قبل أن يترجم إلى اللغة العربية، مجموعة مقالات نشرت بمجلة البيت، عندما كانت مجلة ناجحة رائدة أثناء تولي السيدة الأستاذة سالمة المدني رئاسة تحريرها وضمت كثيرات من رائدات الأدب والثقافة النسوية في ليبيا، من بينهن على سبيل المثل لا الحصر، التنويريات الليبيات نهاية القرن المنصرم وبداية هذا القرن: الشاعرات حواء القمودي، وتهاني دربي، وجنينة السوكني، وليلى النيهوم، وخديجة بسيكري، ونعيمة العجيلي، وزينب شاهين، وبالطبع غيرهن كثيرات.

الكتاب الذي أشرت إليه يتناول اختلاف مناحي التفكير، لدى الذكر والأنثى، باعتبار أنهما طرفي أساس الحياة، وهما القادران على سبل معالجة مطباتها اليومية.

ولقد اكتشفت بالصدفة أن هناك كاتبة أميركية عاشت وكتبت ورحلت قبل صدور كتاب (المريخ والزهرة) فلقد توفيت سنة 1990 اسمها (ماريا مانيس Marya Mannes) بدأت مسيرتها محررًة في مجلة (فوغ) الشهيرة، ثم في مجلتي (ريبورتر) و(ذا نيويوركر). كانت مقالاتها تنتقد المجتمع الأميركي بحدة وببراعة، وسريعًا ما أصبحت معلقة اجتماعية مشهورة في الإذاعة والتلفزيون.

من بين كتبها Subverse (1959) وOut of My Time (1971)، وسيرة ذاتية، وروايتان عنوانهما: (رسالة من شخص غريب) سنة 1948، و (هم) سنة 1968.

تقول في أحد مقالاتها: «مشكلة الرومانسي، أو بمعني أدق، مصيبته المستدامة أنه يتلهف على الأحلام، ويأخذها محمل الجد، لدرجة يتضاءل معها الواقع. والأنثى بطبعها رومانسية للغاية، ومشكلتها أنها تتخذ الأحداث على محمل شخصي، ولكن هذه الكاتبة الساخرة، تؤكد، باعتبار أنها «أنثى حقيقية!» لا تستطيع أن ترى أية طريقة، فعالة وصادقة أخرى لمواجهة هذه الأحلام، سوى التسليم بأحداثها!».

أحد مقالاتها عنوانه: (لماذا يتسلط الرجل على المرأة) هو ما أود الحديث عنه، وما دفعني لذلك هو تقديم المقال بعبارة جميلة، ولكنها مخادعة وليست صادقة تماما! تقول: «النظرة الحانية، واللمسة الرقيقة، والكلمة المناسبة. هذا ما تريده المرأة..». أعترف أنني قلت، متعجبًا، وبصوت عال: «وبس!» - بس باللهجة الليبية تعني فقط المتسائلة بحدة وسخرية - وأتممت قراءة المقال، ولعله من المفيد أن أقتبس بعضًا من نصائح هذه الكاتبة الذكية، التي تبسط لنا ما يعيننا على القيام بواجباتنا كاملة غير منقوصة تجاه نصفنا الآخر الذي لا تكون الحياة بهيجة إلاّ برضاه وسعادته.

«.. الرجال ليسوا بالضرورة أكثر ذكاء منا - الكاتبة تقصد النساء - ومع ذلك يجدوننا دائمًا حيث يريدون أن نكون. نحن في ذلك أشبه بالرجل مع كلبه! - حاشا الله أن أشبه أنا إنسانا بكلب - فالكلب يجلس عند قدمي الرجل في انتظار ثلاثة أشياء: نظرة حانية، ولمسة حنان، وكلمة طيبة، والكلب يرغب في ذلك أكثر من رغبته في طبق الطعام» ثم تستطرد: «لم يعد الكلب اليوم أكثر عبودية للرجل منا نحن النساء، فهو يستطيع أن يفعل ما يريد، فيترك البيت متى يشاء ليطارد الفئران والأرانب.. ولكنه يحتاج إلى النظرة الحانية والكلمة الطيبة عندما يعود آخر النهار.. ».

ولكن هذا الرجل الغبي الأحمق يغيب عن باله أهمية النظرة الحانية واللمسة والكلمة الطيبة لامرأته، التي تنتظره خلف الباب أحيانًا، فيما يأخذه أنفه نحو القدر الفائح في المطبخ. وليس المقصود بهذه النظرة تلك الملتهبة، ولكنها تلك التي تشي بذلك الرباط المقدس ما بين الرجل وزوجته. وليس المقصود باللمسة تلك المشحونة بالحماس والحرارة، وإنما تلك البسيطة التي لا تتعدى الطبطبة! ثم الكلمة الطيبة ليست تلك المحبوكة بغزل بدايات العشق، وإنما حديث الألفة البسيطة والمشاركة الوجدانية في إطراء ما ترتديه أنثاه، أو انتباهه إلى لمساتها في بيت، مثل هذه الأشياء البسيطة لها تأثير ساحر على المرأة. نحن معشر الرجال لا ننتبه لمثل هذه الأشياء البسيطة، غير قلة منا منتبه إليها، وهي بالتأكيد تنال الهناء كله من سيدة البيت.

وتقول الكاتبة، أن تطور المرأة الذي جعلها تستقل ماديًا عن الرجل، جعلها لم تعد تتملق طاعة زوجها، مثلما كان في الماضي، مقابل إيوائها والإنفاق عليها، إذ أصبح الإنفاق متبادلًا ما بين الطرفين، ولذلك الحنان والطبطبة والاهتمام يحتاجه الطرفان.
إلى هذا الحد، أقول أن مع الكاتبة الحق كله، ولكن ما زالت هذه - البس! - التي هتفتُ بها من دون وعي قائمة. فهل أقول لكم ما الذي لم تذكره الكاتبة صراحة وبوضوح، وهو المكمل للحنان واللمسة والكلمة الطيبة والطبطبة، أم أنكم عرفتموه ولا داعيَ لذكره منعا للإحراج؟
لأن ذكره سيعود بنا إلى تفسيرات وتوضيحات قد تتسبب فيما لا تحمد عقباه، مع من لا تحتاج إلاّ للحنان والطبطبة فقط!!.