Atwasat

قواعد الاشتباك

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 15 مايو 2022, 10:42 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

منذ البداية، سعى "الإنسان العاقل" إلى إضفاء نظام على ما يحيط به لتحقيق نوع من فهمه، وبالتالي، السيطرة عليه. فأطلق أسماء على الأشجار والنباتات والأعشاب والحيوانات والجمادات ومظاهر الطبيعة المختلفة. هذا، بالإضافة إلى تسمية أفراد جماعته وملابسه ومقتنياته.

ولاحقا، أو بالتزامن، نظم السلوك الإنساني والتعامل الاجتماعي وحدد له مباديء وقواعد حاكمة.

تعدى هذا التنظيم، بعد ذلك، إلى الألعاب بأنواعها، فوضع لكل لعبة قواعد تلزم الأطراف المشتركة فيها بالتقيد بها، وأي إخلال بهذه القواعد يعتبر تعديا وغشا يفسد اللعبة ويحولها إلى شكل من أشكال العبث. الالتزام بقواعد أية لعبة يعني أنها أديرت بنزاهة تقنع الأطراف المهزومة بالتسليم بهزيمتهم وتقبلها بـ "روح رياضية"، مثلما يقول التعبير الساري. وهذا يعني، ضمنا، أن لقواعد اللعب مضمونا أخلاقيا.

هذا السعي من قبل الإنسان إلى تنظيم عالمه الطبيعي والاجتماعي وسلوكه الأخلاقي ونشاطه الترفيهي، جعله أيضا يضع مباديء وقواعد لعلاقات العنف، المتمثلة في المشاجرات بين الأفراد والمعارك بين الجماعات والحروب بين الدول. أي أنه سعى إلى "تقنين العنف".

ففي مجال الحروب ظهرت، منذ أزمنة بعيدة، مباديء تقضي بعدم قتل الأسرى وإيذاء غير المقاتلين المسالمين وعدم قتل الأطفال والنساء... إلخ. وفي العصر الحديث أضيف إلى ذلك عدم قصف سيارات الإسعاف والمرافق الصحية والتعليمية والمنشآت الحيوية المعدة للاستعمال في الأغراض المدنية.

صحيح أنه كثيرا ما تنتهك هذه المباديء، حتى في زمننا الراهن، ولكن هذا الفعل مجرم ويجلب الفضيحة والعار على مرتكبه وقد يعرضه إلى المحاكمة. لكن، رغم ذلك، يظل هذا المسعى، في حد ذاته، مسعى محمودا.

وفي هذا الصدد ، مع تزايد الحروب الجزئية، ظهر مصطلح "قواعد الاشتباك" وصار يجري تداوله كثيرا. كما لو أن الحرب لعبة، أو تعامل اجتماعي مثل البيع والشراء.

وهذا المصطلح يحمل قدرا من التناقض الذاتي. فعلى حين أن قواعد اللعب تمييزية وترسم حدود التعامل، مع عدم نفيها لعلاقات الترابط، فإن "قواعد الاشتباك" تداخلية. إذ إن "الاشتباك" يعني الاشتجار والتشابك والتداخل. أي أن به قدرا من الفوضى.

و "لعبة الحرب" التي تحاول قواعد الاشتباك تقنينها وقصر استهدافها على الأهداف العسكرية، هي "اللعبة" التي تكون قواعدها (= قوانينها) الأكثر عرضة للتعدي والانتهاك، ويكون، بالتالي، احتمال وقوع الجرائم فيها أوفر واللامبالاة بالجانب الأخلاقي منها غير مستبعد.

وفي هذا السياق نشير إلى أقرب حدث منا، تاريخيا وعاطفيا، وهو إعدام الإعلامية شيرين أبو عاقلة من قبل قوات جيش الكيان الصهيوني العنصري، رغم أنها (وربما لأنها) إعلامية معروفة وذات خبرة مديدة في مجال تغطية أحداث الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين كما كانت تتخذ جميع الإجراءات والتدابير التي تجعل هويتها الإعلامية جلية للعيان.