Atwasat

قارئة فنجان التي تقود البلاد!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 17 أغسطس 2021, 11:32 صباحا
أحمد الفيتوري

البشر في الأكثر، يرحبون بمن يثيرون مشاعرهم، لا بمن يُعلّمون عقولهم .
- عبد الله القصيمي

فكرتُ ونجمتُ كثيرا، فيما جعلني صبيا مراهقا، يناصر قائد انقلاب، سبتمبر 1969م، العسكري في ليبيا، حين كان أول قرار له، بعد منع التجول، منع الخمور في ليبيا، وقد كنت ابن مدينة، حيث للخمور متاجر ومقاهٍ. وكان الملازم أول معمر القذافي، من مجتمع بدوي رعوي، لم ير خمرا ولا مقهى، وعلّ هذا زاد أمر مجلس قيادة الانقلاب، فجعل قراره الثاني، منع الأكل في الشارع، حتى لو كنت عاملا، تحفر لمد مواسير الماء والكهرباء.

فكرتُ ونجمتُ كثيرا، كيف لصبي مراهق مثلي، أن يستهويه المنع، وأن يساق باللامعقول، وقد كنت متمردا على أبي، منساقا إلى الممنوع، بحكم العمر والثقافة والمدينة. لكن ذلك لم يُوقف انجرافي، مع قطعان البشر، التي جرجرها الملازم أول معمر القذافي، الشاب العشريني، مثلما بقية زملائه العسكريين، من شاركوه الانقلاب. وقد كان لافتا للنظر، محدودية ثقافة وفقر تجربة، معمر القذافي، عديم الخبرة بمجمل الحياة، وخاصة السياسة.

فكرت ونجمت كثيرا، ثم قلبت الصفحة، مكتفيا بتعليل: أن قوة المرء تكون في ضعفه، المضاعف في حالة القذافي. فيكون الضعف قوة، إذا ما افتقر الجمع زمام أمره، وذلك عند اندفاعه العفوي. والملازم معمر القذافي، تمظهر لرفاقه ثم للجمهوركمتدين، الذي أوحى بنعت الفقيه، ما عرف به بين زملائه. ذا حافز رئيس لأن يستعين، لاستقطاب الجمع، بالمشترك: الوازع الديني. فكان منع الخمور، ثم منع الأكل في الشارع، وذا ما تمخض عنه، انقلاب سبتمبر 69 في ساعاته الأولى. وذلك سياق لسليقة، سيبان فيما بعد، أن سمتها الابتداع لا الاتباع، المغرد خارج السرب، لكن باللحن القديم المهجور.

تمخض عن إعادة قانون، يسمح بتعدد الزوجات، إعلان نصر ثورة فبراير، البيان ما تلاه، رئيس المجلس الوطني الانتقالي: المستشار مصطفي عبد الجليل، من ركن إلى أن الثورة، يدعمها الناس لوازع غريزي ديني. ما اتكأ عليه في بند "تعدد الزوجات"، معتقدا والجماعة المحيطة به ساعتها، أن هذا شرع الله، وأن بهذا يلجمون الثورة، ويقبضون على زمامها. وبهذا يتكشف أن المستشار، وكذلك الجماعة القريبة منه، من تتغيا السيطرة على السلطة، تفتقد المعرفة والأساليب السياسية، وليس في الجراب غير الدين، ما تحول إلى وسيلة للمغالبة.

تمخض، بيان ثورة فبراير إجرائيا، ما تمخض عنه، قرار أول لمجلس قيادة انقلاب سيبتمبر، رغم أن الفارق تعدى الأربعين حولا، فالمشترك واحد، الوسيلة التي تبرر الغاية، وإن كانت المفردات مختلفة.

وعليه ليس ثمة مفارقة، في أن يكون بيان، رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، في مناسبة اليوم العالمي للشباب، بمثابة عقد زواج شرعي:(عقد نكاح)، لمئات الالآف من الشباب الليبي، من كانوا ساعة يستمعون، لذاك البيان، في ظلام دامس، تداهمهم الجائحة من كل صوب، يعانون البطالة، يحلمون بالهجرة غير الشرعية، من بلاد غاصة في حرب أهلية..... إلخ .

من هذا، وما على شاكلته الكثير، ليس من المغالاة في شيء، الذهاب إلى القول أن ليبيا كما أفغانستان، تحكمها منذ عقود طالبان. وبدعم دولي، معزز بعدم الاهتمام بليبيا، من قبل الولايات المتحدة، ما أخيرا انسحبت من كابول، لتعزز حرية الأفغان، في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، كذا عززت حرية الليبيين، في أن يكونوا أحرارا، تحت حكم طالباني.

أو كما قالت أريكا يونغ: ليست المسألة، متى بدأت الأمور تسوء؟، بل متى كانت على ما يرام؟.