Atwasat

مشروع الدستور الليبي والبستنة!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 11 يوليو 2021, 09:16 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

حين يُطرح دواء لمرض ما في السوق ثم يُسحب من التداول، غالبًا بعد عقود من تداوله، فهذا يعني أن ثمة مادة كيميائية داخلة في تركيبه تسبب، على المدى البعيد، للأشخاص المتعاطين له، خصوصًا الذين يتوجب عليهم تناوله طول العمر، تأثيرات ضارة تتمثل، أحيانًا، في إصابتهم بأمراض عضال.

أي أن مادة كيميائية من بين مواد أخرى عدة تمثل قوام هذا الدواء ذي المفعول الإيجابي على المتعاطين له، تبرر اعتبار العقار كله مصدر ضرر بالغ.

أردت أن يكون هذا مدخلًا لمجادلة المتحمسين لمشروع الدستور الليبي المزمع طرحه على الاستفتاء. ومجادلتي هذه تتوجه، على نحو خاص، إلى أولئك القانونيين المنافحين على هذا المشروع باذلين كل الجهد في إبراز محاسنه وميزاته وفضائله.

ولعل أكثر المتصدين في خندق الدفاع عن مشروع الدستور هذا، الدكتور الهادي بوحمرة. ففي مقاله الأخير «المسار الدستوري والتفاوض بين المسلحين» يعدد محاسن هذا المشروع، التي نلخصها في ما يلي:
* الهيئة منتخبة وليست معينة.
* ضرورة الاستفتاء على الدستور الذي تتوصل إليه، رغم أنها منتخبة من الشعب، ما يعني أنها مخولة من قبله.
* التوازن الجغرافي: تساوي المقاعد في الهيئة التأسيسية بين المناطق الثلاث.
* إقرار المشروع بالثلثين زائدًا واحدًا في كل منطقة، وليس على المستوى الوطني العام.
* ضمانات استبعاد المغالبة الحزبية أو المناطقية وتجاوز تأثير من يملك قوة الأمر الواقع. ما يعني «أن الخارطة الدستورية بُنيت على ركيزتين أساسيتين هما التوازن الجغرافي والإرادة الشعبية».

ويحذر الدكتور بوحمرة، في تفصيلات واضحة ومهمة، من مغبة «كل محاولة لعرقلة الاستفتاء».

هذه النقاط كلها ذات وزن ثقيل في ميزان محاسن، أو حسنات، هذا المشروع. وأنا لا اعتراض لي عليها.

لكن ما يلفت نظري، ويثير استغرابي، أن الدكتور بوحمرة، رجل القانون، لا يشير من قريب أو بعيد، في ما اطلعت عليه من مقالاته، إلى مسألة حقوق الإنسان بالمعنى المعاصر الوارد في الإعلانات والمواثيق الدولية ذات العلاقة الموقعة عليها ليبيا، والتي تلغيها، عمليًا، المادة السادسة من مشروع الدستور، وهي تلك المادة المتعلقة بمصدر التشريع، التي تنص على أن «الشريعة الإسلامية مصدر التشريع». وعندما أقول «حقوق الإنسان» فهذا يشمل حقوق الأفراد والجماعات.

فالدستور الذي يسمح بحرية ممارسة العقيدة للجماعات الدينية القائمة ولا يسمح بحرية المعتقد للأفراد هو دستور غير حقوقي وخارج العصر. مشروع الدستور، بصيغته الحالية، أبعد ما يكون عن الدولة المدنية الديموقراطية المبتغاة.

بالعودة إلى المثال الذي استهللت به هذا المقال، تكون هذه المادة التشريعية مثل المادة الكيميائية في دواء معين يكتشف إضرارها بصحة متعاطي هذا الدواء، الأمر الذي يوجب سحبه من التداول. لذا ينبغي إعادة النظر في مشروع الدستور هذا وإلغاء هذه المادة وإحلال مادة محلها تتوافق مع ما توصلت إليه الإنسانية من منجزات حقوقية، لأنها ستمثل كارثة على الشعب الليبي، ليس على المدى البعيد فحسب؛ بل منذ اليوم التالي لإقراره.

أريد أن أختم مقالي هذا بطرفة لها علاقة بالسياق:
سنة 1999 أجرت معي مستعربة ألمانية كانت في مهمة صحافية بطرابلس لقاء، نشر في مجلة ألمانية مع ترجمة لقصتي «صناعة محلية». سألتني هذه الصحافية عن المواضيع الممنوع تناولها في المطبوعات الليبية. لم أرغب في أن اُظهر النظام الليبي وكأنه استثناء في هذا المجال. فقلت لها أن النظام الليبي ينتمي إلى ما يعرف بالعالم الثالث، ومعروف أنه في معظم هذه الأنظمة الممنوعات ثلاثة: الدين، السياسة، الجنس.

فعلقت ضاحكة:
وماذا تركوا لكم؟!. البستنة gardening؟!.

أنا لا أستغرب أن تظهر علينا مؤسسة دينية ليبية مستقبلا، في ما لو، لا قدر الله، أقر هذا المشروع، بفتوى تعتمد فيها على هذه المادة، فتحرم على المختصين في الزراعة الحديث عن التلقيح في النبات وتمنع تضمين هذا الجانب في المناهج المدرسية باعتبار لفظة "التلقيح" تحيل إلى المضاجعة، حماية للأجيال الناشئة من الانحراف الأخلاقي الذي يمكن أن تثيره هذه اللفظة.