Atwasat

دق جرس الإنذار «2»

عبدالله الغرياني الأحد 29 نوفمبر 2020, 04:30 صباحا
عبدالله الغرياني

أنا لا أريد إشعال فتيل العداء، ولكني أريد أن أرى الحلم يتحقق. ولكي يتحقق بالشكل النموذجي والسليم لا بد من النقد والرفض والمعارضة والدعوة للإصلاح، الخطأ ليس مني، ولكنه من المتنفذين داخل المؤسسات وأصحاب السلطة الذين أفسدوا وجعلوا المؤسسات الراعي الأول للفساد المالي، في المؤسسات التي دفعنا لأجلها كل شيء غالٍ في معارك مسلحة طويلة ومريرة وقاسية، حتى تنهض من جديد.

لذلك المطلوب على صعيد المجتمع والنخب المعارضة ونقد ورفض كل شيء مخالف دون تحيز أو خدمة لطرف على حساب طرف آخر. لا يختلف في الفساد والنهب لكي لا نتعمق ونصل إلى عمق نقطة الصفر التي كنا نعيشها قبل سنوات في بنغازي، وننقذ أنفسنا ونعالج الخطأ والتجاوزات بكل سهولة، بدل معالجتها بكارثة من جديد.

لا تستمعوا لأنصار التيارات المحرضة. فمن هذه التيارات تيار كان مقاولًا لمشروع التوريث العام 2005، وأصبح بعدها مقاولًا لمشروع الإرهاب الديني المتطرف أعوام 2012، و2013, و2014، وهذا تيار آخر من يتكلم عن الوطن والانتهاكات، فنحن أصحاب الثورة ومشروع تصحيح مسارها وهم مجرد سماسرة خسروا كل شيء، ويسعون عن طريق أبواقهم إلى حرق ما تبقى من بلادنا وأرضنا ومؤسساتنا العسكرية والأمنية الوليدة. وفي المقابل على أصحاب القرار والسلطة داخل المؤسسات، وأخص هنا القيادة العامة للجيش، أن ينقذوا أنفسهم وينهوا النفوذ غير الأخلاقي داخل المؤسسة والتخبط بداخلها وسوء استخدام المواقع القيادية بالجيش، وانتشار الجريمة والحرابة التي تقف وراءها ميليشيات يترأسها شخوص لهم ارتباطات مباشرة بالجيش، حتى إن بعضهم يكرر في مناسبات وتصريحات بأنهم تحت الأوامر «كيف مافيش حد عارفهم». مجموعات مسلحة تخطف وتغتال وتنهب وتمارس الابتزاز دون التعرض لها ومحاربتها وكف أذاها.

وعلينا عدم التوقف في نقد ورفض ومعارضة تجاوزات الجيش فقط، بل ينبغي الإبحار أعمق حتى نصل إلى كل المسؤولين في الدولة ومؤسساتها وسلطاتها، والبداية تكون من مؤسسة الجيش كونها المؤسسة التي من المفترض تكون الحامي الأول لنا وللقانون والدستور، وتكون رمزًا للنزاهة والحرص على المصلحة العامة والحفاظ على ثروات البلاد، وليست مؤسسة يستفرد بها بضعة أفراد.

ومع هذا يجب البدء بمعركة الوعي وأن نستعد لها جميعًا. فمعركة الوعي هي معركة غرس القيم والضمير والأخلاق للأجيال الناشئة، ومحاربة الظواهر السلبية التي تستهدفنا ضمن موجة الاستهدافات المتعددة، والقضاء على الأفكار الإقصائية التي يتم توظيفها تحت غطاء القبلية والمناطقية والعقيدة الدينية، وندافع عن حريتنا بكل حزم، وعلى رأسها حريتنا في التعبير والرفض والمعارضة.

مصيرنا ومستقبلنا لن تحدده بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أو الأجسام التنفيذية والسلطات التشريعية المتنفذة اليوم. مصيرنا ومستقبلنا نحدده نحن، يحدده الشعب بوعيه وإدراكه وإيمانه أن الوطن فوق الجميع وأن مصلحته هي أن يواكب العالم والأمم المتقدمة، ومهما كانت الطريق صعبة نجتهد جميعًا لتحقيق هذا الهدف الذي يبدأ بنقد ورفض ومعارضة كل أمر يعيق مسيرة الوصول للتقدم والتطور وخلق مناخ صحي يشجعنا جميعًا للعمل لأجل هذه البلد الحبيبة.

الطريق طويلة وشاقة يا شباب، ومسؤوليتنا تاريخية يجب أن نتحملها وندفع الثمن مرة واثنتين وعشرًا حتى نحقق أحلامنا، ليتمتع به من سوف يأتي من بعدنا، ويدعو لنا بالخير كما دعونا نحن للآباء المؤسسين، الذين تحملوا مسؤولية الكفاح المسلح والسياسي لاستقلال هذه البلاد ورسم ملامحها والسير بها نحو البناء والإعمار والتنمية. دعونا نتفق على العمل بشكل متوازٍ بين تحقيق طموحنا وطموح الأجيال القادمة، أما الفساد المالي والأخلاقي والفوضى داخل المؤسسات فتكون من أوائل أهداف حربنا لأجل استعادة بلادنا.

ختامًا، بوحدتنا ومحاربتنا الفساد والتجاوزات سوف نهز مكاتب ومقرات المسؤولين وأتباعهم، ونجعلهم يشعرون دائمًا أنهم يقفون أمام شعب صاحب إرادة قوية، لا يستسلم. يرفض ويعارض ويتظاهر لأجل حقوقه والخطر الذي يستهدفه جراء الانفراد بمؤسساته وبلاده ومصيره ومصير تضحياته. 
فلنؤسس من اليوم قواعد سليمة ومتينة للرفض والمعارضة والإصلاح، وننشئ تحركات وتظاهرات ميدانية ننادي ونهتف من خلالها «لا للفساد. لا للتسلق والنفوذ على حساب مؤسساتنا. فهي ملك لنا وليست ملكًا لكم ولأبنائكم. لا للتخويف ولا لتكميم الأفواه والاغتيالات والاعتقال. حريتنا وبلادنا خط أحمر»، وقتها سيكون القرار قرارنا ونحن من يرسم المستقبل بضمائرنا الحية وأصواتنا الحرة. فلنبدأ بقلوب صادقة النقد والرفض والمعارضة والتحركات المدنية والشعبية. لا أحد فوق الوطن، الوطن فوق الجميع.