Atwasat

هرتسل.. «2020»

حمدي الحسيني الأحد 13 سبتمبر 2020, 12:52 صباحا
حمدي الحسيني

هل هي مصادفة أن يكون صهر رئيس أكبر دولة في العالم يهودياً مخلصاً ومتحمساً للكيان الصهيوني، أم هي «مؤامرة» مخططة ومنظمة من جانب قوى خفية تدير وتخطط لمصير العالم من وراء حجاب، كما يحلو لبعض المقاربات العربية أن تحيل هكذا مواقف إلى دولاب «المؤامرة» الجاهزة؟!

حين طالعنا صور ولقاءات الشاب جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ترامب ومستشاره السياسي لشؤون الشرق الأوسط مع بعض القادة العرب، تذكرت على الفور صورة الصحفي والأديب النمساوي تيودور هرتسل (1860 – 1904)، أول «عراب» لإنشاء كيان لليهود، وأبرز دعاة الحركة الصهيونية في العالم، فالشبه كبير بينهما، ومن الواضح أن صهر ترامب تأثر كثيراً بسيرة ومسيرة حياة هرتسل الحافلة من أجل تحقيق حلمه في إقامة وطن لليهود.

في مطلع 2008 التقى كوشنر بـ«إيفانكا» ابنة صديق والده دونالد ترامب، سرعان ما اتفقا على الزواج في العام التالي، رغم معرفة ترامب وابنته بمعتقدات وديانة الشاب جاريد المخالف لمعتقداتهم، لكن عادة لا تلتفت أغلب الأسر الأميركية للمعتقدات الدينية للأشخاص، ولا تقف مثل هذه الأمور عقبة في عقد الصفقات ولا حتى المصاهرة.

ففي تلك الأثناء أبدى الأب ترامب تعاطفاً مع خطيب ابنته، بعد أن أثبت كفاءة في إدارة شركات والده رغم صغر سنه، بعد اعتقاله وسجنه، بتهمة التهرب الضريبي والتلاعب، وتزوير المستندات بطريق غير مشروعة!

اللافت أن الشاب كوشنر مواليد (1981) كان معروفاً خلال سنوات دراسته بجامعة هارفارد بتأييده الديمقراطيين، لكن بمجرد إعلان ترامب خوض المعركة الانتخابية، بدّل وجهته السياسية سريعا صوب الجمهوريين، ثم اختاره ترامب مديراً لحملته الانتخابية ومشرفاً على الدعاية الإلكترونية بالتحديد لما له من خبرة واسعة بهذا المجال.

بمجرد فوز ترامب بمقعد رئاسة الولايات المتحدة في العام 2017، اختاره مستشاراً خاصاً ومسؤولا عن ملف الشرق الأوسط، في اليوم التالي، كان كوشنر يخطط لدوره المرتقب حيث اعتبر بعض اليهود المتشددين أن مصاهرته لرئيس أقوى دولة في العالم، واختياره لهذا المنصب، ليس مصادفة، بل إرادة إلهية لدعم شعب الله المختار!

وبالفعل تخلي الصهر فوراً، عن حلمه في أن يصبح محامياً شهيراً في مدينة نيويورك الصاخبة، كما ترك إمبراطوريته الإعلامية والمالية الضخمة التي ورثها عن والده مقاول العقارات الشهير، وأخذ على عاتقه أن يكمل مسيرة هرتسل التي بدأها قبل أكثر من مائة عام. ومن اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، ترك الشاب اليهودي المتحمس ترامب يخوض معاركه الطاحنة ضد خصومه ومنافسيه، وركز كل جهده على سؤال شغل كل كيانه، كيف يستثمر منصبه الجديد، ووجود صهره على رأس الولايات المتحدة في خدمة إسرائيل وشعبها؟

بعد مداولات واستشارات الخبراء والمختصين، خرج كوشنر بمشروع «صفقة القرن»، التي اختار عنوانها بعناية ليداعب شعوب وحكام الشرق الأوسط، بأحلام الثراء والانتعاش الاقتصادي والوظائف والاستثمارات، وأن تقوم صفقته المزعومة على أساس أن تتبادل دول المنطقة مع إسرائيل الثراء والأمن مقابل التخلي عن الأفكار التقليدية المتعلقة بوجود دولة مستقلة للفلسطينيين، وأن يتقبل العرب وجود إسرائيل ويدخلوا معها في سلام طبيعي وينظروا إليها في المستقبل كشريك لا كعدو ومستعمر.

خيط رفيع يجمع كوشنر وعراب الصهيونية هرتسل، الذي جاب الدنيا من شرقها إلى غربها، بحثاً عن الموقع المناسب ليكون مقراً لدولة اليهود، وكرس كل دقيقة في حياته من أجل إقناع يهود العالم بالتبرع والتلاحم والتوحد من أجل بناء وطن قومي لهم في أي مكان، إلى أن نجح بالفعل العام 1897 في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا الذي تم خلاله الاتفاق على إقامة دولة اليهود في موقعها الحالي على أرض فلسطين.

واجهت هرتسل عقبات عديدة في طريق تحقيق حلمه لإيجاد وطن يجمع اليهود من الشتات، كما واجه خليفته كوشنر أيضاً عقبات عديدة بأن يقنع الفلسطينيين بأن يستبدلوا حلم الوطن المستقل، بأن يصبحوا أصحاب أعمال ومهن ووظائف تدر عليهم الملايين.

وكما تجول هرتسل بين عواصم العالم يقنع قادتها بأهمية أن يتم جمع اليهود في وطن واحد، جاب أيضا كوشنر العواصم العربية، في رحلات مكوكية، لإقناع قادتها بصفقته المشبوهة. هرتسل نجح بالتواطؤ والرشاوي في إقناع الكثير من ساسة أوروبا وبريطانيا على وجه التحديد، بدعم مشروعه، لكن كوشنر فشل في تسويق صفقته المزعومة، ليس بسبب قوة ووطنية حكام المنطقة، بل لأن صفقته، كانت فجة ومفضوحة غير قابلة للتطبيق.

لم ييأس صهر ترامب في مهمته «المقدسة»، بعد أن تكللت جهوده، بصدور قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإعلان ذلك في احتفال ضخم بالبيت الأبيض، وهو القرار الذي تردد العديد من رؤساء أميركا الأقوياء في توقيعه!

مع اقتراب قطار الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة واحتمالات فشل ترامب في أن يستمر رئيساً للولايات المتحدة لفترة ثانية، سارع كوشنر إلى تحقيق الجزء الثاني من مشروعه، لكسر عزل العرب لإسرائيل في الشرق الأوسط، فلم يجد أمامه سوى التعجيل بعقد اتفاقات التطبيع السهلة مع بعض دول الخليج المرعوبة من سيناروهات ما بعد ترامب، وهنا شاهدنا إصرار الشاب اليهودي على دفع عجلة التطبيع هذه المرة مع دول خليجية ليس لها حدود، ولا دخلت من قبل في حروب مع المحتل الإسرائيلي، لكن هذه الخطوة تصب مباشرة في اتجاه تحقيق مخططته بأن يتجول اليهود في بلاد العرب بحرية دون أن يعطوا الفلسطينيين شيئاً.

إذا كان اليهود أطلقوا اسم هرتسل على أحد أهم الأحياء في القدس المحتلة، تقديراً لما قدمه لهم من تضحيات، فماذا سيقدمون لخليفته كوشنر تقديراً لخدماته العظيمة التي لا تقل أهمية عما قدمها لهم مؤسس الصهيونية الأول هرتسل؟