Atwasat

هل نواصل السير لتحقيق الحلم أم نعود للقيود

عبدالله الغرياني الأحد 09 أغسطس 2020, 01:41 مساء
عبدالله الغرياني

لقد مرت تسع سنوات على انطلاق تحقيق حلم التغيير الذي نشأ بداخلي منذ نعومة أظافري و ثورة على الدكتاتورية و نظام الفرد الذي لم يصنع اأي شيءٍ جميل داخل البلاد. بل صنع فيها الجهل والتخلف والعودة لعصور الظلام و زادها بقمع الشعب ومصادرة حريته وتحويل ليبيا الحبيبة لبلد منغلق ومنعزل عن العالم والتقدم ومواكبة الاازدهار. والحديث يطول حول ماآسي و كوارث هذا النظام.

خرجت مثل أغلب الشعب مُطالبا برحيل الديكتاتور ومناديا بالتغيير، وهذا ما حدث بسلبيات وإيجابيات ذلك الخروج والثورة. ولكن سقطت الدكتاتورية دون رجعة ولن أندم يوماً على الثورة التي لازالت مستمرة وستُولد من بعدها ثورات ولن أنظر للخلف وسأظل أنظر للأمام دائماً وكيف يمكن أن أساهم من جديد وأدافع عن حريتي وأتبني مواقف التغيير والتقدم لكي نصل لتحقيق حلمي وحلم جيلي والأجيال التي سبقتني والجيل الذي بعدي.

عبرت مرحلة الثورة الأولي ووجدت نفسي أمام مرحلة أكثر أهمية وخطورة، مرحلة تحقيق أهداف الثورة وأولها بناء وتأسيس مؤسسات للدولة تكون نموذجية وحريصة على تحقيق أهداف الثورة وأن تأخذ بيد الشعب للتقدم والازدهار والبناء والإعمار ومن بين هذه المؤسسات المؤسسة العسكرية "الجيش" الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على الديمقراطية والحياة المدنية وحماية حدودنا وأرضنا من العدوان.

لم تسمح لنا الجماعات الإسلامية السياسية ومجموعاتها المسلحة التي مولت بالملايين من خزائن الدولة وأموال الشعب لتصبح أذرعا مسلحة تدافع عن مخططاتهم ومخططات الدولة الراعيه لهم، لم تسمح لنا إلا أن ننادي بالجيش أولاً ليكون الحامي لنا ولثورتنا وتحقيق أحلامنا ويحمينا من إرهاب تلك المجاميع المسلحة التي طال غدرها برفاقنا وطالتني شخصياً عندما كنت خارجاً صباحاً من منزلي مستقلاً سياراتي وفي ظل سيطرة هذه المجاميع على بنغازي وخلال قيادتي مع رفاقي حراكا لا للتمديد رمتني بعبوة ناسفة على الطريق بعد أن انفجرت تحت مقعد السيارة وأصبحت من خلالها ولست سنوات متواصلة حتى هذا اليوم رهين المرض والعلاج. وفي المقابل لم يتم اغتيال الحلم داخل قلبي ولن ترحل الأهداف والمبادئ من عقلي وزدت إيماناً وتمسكا بها.

خرج الجيش أو ما تبقي منه من قوات نظامية وقاد معارك طويلة ومريرة لتحرير بنغازي ودرنة وخليج السدرة والجنوب وحتي طرابلس مؤخراً من تلك المجاميع المسلحة ومن تحالف معها من تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، وأصبحت لدينا مؤسسة عسكرية وقيادة عامة للجيش وقائد عام ورؤوساء أركانات ومناطق عسكرية ونوع من الانضباطية. ولكن هناك عبث يرافق هذا الإنجاز الذي ضحى لأجله الألاف من الشهداء والجرحى والمبتورين عسكريين ومدنيين ونشطاء وإعلاميين وحقوقيين جميعاً دعموا هذه المؤسسة إيمانا منهم بأنها ستكون صمام أمان حلم الحرية والتغيير وقيام الدولة ومؤسستها وصون حقوق الإنسان وكرامته.

العبث تسلل وتمكن ويحاول تدمير هذا الإنجاز، ويتمثل في صناعة قائد أوحد وصقر وحيد بالألبومات الغنائية التي تجاوزت العشرين أغنية تمجد شخص القائد العام للجيش وتسفيه التضحيات الجسيمة التي قدمها الأبطال والبسطاء في كافة ربوع الوطن وآخر هذه الأغاني أغنية للفنانة أسماء سليم، وقبلها أغنية لصدام خليفة حفتر نحب القائد العام للجيش. كذلك ألبومات صور القائد العام التي تم وضعها بكثافة في كل مدينة تحررت من الدكتاتورية مرة ومن الإرهاب مرة أخرى ليعيد هذا العبث ذات المشاهد من جديد متناسيا تضحيات هذه المدن للتخلص من حكم الفرد وحكم الإرهاب ومحاولاً جر الشعب للرضوخ لفرد من جديد. وعليه أحذر أن هذا الأمر إذا استمر فستكون ردة الفعل مختلفة تماماً عن التي يتوقعها العابثون بالجيش وحلم الشعب وحلمنا وسأكون شخصياً ضمنهم. فالولاء للوطن والايمان بالحرية.

ليس هذا فقط بل تواصل تمادي العبث وتشكلت له وجوه أخرى تجاوزت التمجيد وجر الشعب للرضوخ للفرد ومن هذه الوجوه دعم الفساد المالي المتمثل في هيئة الاستثمار العسكري الذي يقوم بالسيطرة على الأراضي والمواقع والمباني القديمة دون وجه حق وفي ظل غياب القانون والدستور والنظام وشارك هيئة الاستثمار مكتب السيطرة بالجيش ورئاسة الاأركان ومن خلالها تشكلت وجوه أخرى للفساد متعددة في باقي المؤسسات المدنية الخدمية والوزارات والهيئات حتى تحولت عاصمة الجيش بنغازي إلى مكان لغسيل أموال العصابات وتجار المخدرات وأرض لإقامة المشاريع بالأموال المنهوبة.

ومن وجوه العبث الأخرى المجاميع المسلحة ذات التوجهات المناطقية والجهوية والدينية (السلفية)، والأخيرة هيا التي حياها قائد الجيش في زيارته الأخيرة لمعسكر كتيبة طارق بن زياد والتي كانت زيارة مخصوصة لهم للسرية العاشرة التي هي فصيل عقائدي ديني (سلفي) وأثنى عليهم وعلى دورهم. وأنا هنا لا أنكرهم ولكني أنكر وبشدة وجودهم داخل الجيش بهذا الشكل غير المتعارف عليه في العرف العسكري ولدى جميع جيوش العالم، حتي في المملكة العربية السعودية أم هذه العقيدة والتيار. فمن حق أي إنسان الإيمان بأية عقيدة تناسبه، و لكن ليس من حقه أن يكون تشكيلا مستقلا باسم هذه العقيدة داخل الجيش الذي يعتبر جيش الوطن وولايؤه للشعب والدستور ويحمى كافة أبناء الشعب بمختلف عقائدهم ومذاهبهم ودينهم، كذلك المجاميع المسلحة الأخرى التي تقوم بحماية غاسلي الأموال داخل بنغازي والتي لا تسيطر عليها قيادة الجيش ومسؤولة عن كل الجرائم التي تنفذها في المدينة بجنب حمايتها لرؤوس الفساد المالي وتقوم بابتزازهم مقابل حمايتهم، وهنا أقول أن الفساد المنتشر أصبح محميا من جميع المسؤولين سواء في الجيش أو الحكومة أو البرلمان، بل وشركاء فيه ولهم حصص ونسب وأي تحرك مدني تجاه هذا الملف يجب أن يكون ضد هؤلاء جميعاً. أما الخطبات والتوجيهات المبهمة لن تقدم شيئا في هذا الملف بل تزيده انتشاراً.

الوجه الأخير للعبث هو هيمنة وتغلل أنصار النظام السابق. وأنا هُنا لا أنكر أنهم شركاء في الوطن ومن حقهم العودة وتمتعهم بالمناصب حسب قدراتهم وبناء على تواريخهم وذمتهم المالية، وهذا كان شعارنا من أوائل ثورة فبراير التي تولى قيادتها سياساً وزير عدل النظام سابق ووزير داخليته تولى قيادتها عسكرياً. ولكني ضد محاولاتهم الاستفراد بالجيش الذي نريده بعيدا عن كل هذه التجاذبات ويكون جيشا يمثل ليبيا والدولة الوطنية ولا يتم جره لأي أيدلوجية سياسية، وكذلك ضد محاولاتهم استغلال العفو الذي صدر بحقهم لفرض أوهام الجماهيرية وصناعة صنم بديل جديد للقذافي. وهنا أحذرهم بأنهم يقومون بعبث جديد مماثل لعبثهم بزعيمهم القذافي الذي من خلالهم ازداد طغيانا وإجراما وكانت نهايته كما شاهدوها وشاهدنها.

وهناك وجه استثنائي للعبث وهو مستشارو الصدفه الذين يتمركزون حول صانعي القرار على رأسهم صانع القرار العسكري والسلطة الفعليه في برقة القائد العام للجيش في الرجمة وبغض النظرعن تواريخهم، فأقول لهم اتقوا الله وقدموا الحقيقة وكونوا صناعا للقرار الصحيح حتى إذا كلفكم الأمر خسارة مناصبكم، فقول الحقيقة قد يساهم في خروجنا لبر الأمان والحفاظ على ما أنجزناه.

و أخيراً أطرح عنوان مقالي كسؤال للسادة المستشار والمشير والثني: "هل سوف نواصل السير لتحقيق الحلم أم نعود للقيود؟؟ أو كما قال الرفيق الشهيد عبدالسلام المسماري "اإن رحلة النضال الوطني طويلة وشاقه " ويكون "مكتوب علينا شقاه"