Atwasat

عقد جديد.. ومسار ثالث!

حمدي الحسيني الأربعاء 01 يناير 2020, 08:02 مساء
حمدي الحسيني

هل سيختلف العام الجديد عن العام المنتهي؟ أو قل هل سيتمرد العقد الجديد على سابقه؟ السؤال الأول يتكرر دائمًا في مثل هذا اليوم من كل عام.. لكنه يتضاءل أمام الثاني في خيارات المستقبل.

أغلب الظن أن أحلام السلام والأمن والاستقرار تلاحق طيف العقد الجديد.. لكن تقدم وتخلف الشعوب مثل الأفراد تمامًا، لن يتحقق بالأماني والدعاء، بل إن الشعوب التي سبقتنا ونفضت عن كاهلها غبار الظلم والتخلف بذلت من أجل ذلك الهدف تضحيات جسامًا، سواء بالدم في الماضي أو بالعرق والعلم والعمل في الوقت الحاضر.

وإذا أخذنا أوروبا نموذجًا، فلكي تودع التخلف والتشرذم والاقتتال، قضت نحو 150 عامًا في حروب طاحنة، وصراعات دموية مميتة مع الكنيسة تارة ومع الأنظمة الديكتاتورية تارة أخرى، فأدركت تلك الشعوب قيمة الحرية، ومن ثم استماتت وقاتلت وقدمت تضحيات ضخمة حتى حققت أحلامها، وأصبحت الحرية محورًا أساسيًّا تدور في فلكه كل تفاصيل حياتهم اليومية، ثم انطلقوا بعد ذلك مسرعين نحو التقدم والازدهار.

فهل نحن العرب مستعدون لدفع فاتورة التحرر والانطلاق نحو مستقبل أفضل؟

في تصوري أن أغلبنا لم يستعد بعد لمثل هذا القرار الفاصل، بدليل أن أغلب شعوبنا العربية لا تزال منقسمة حول البديهيات، وأولى هذه البديهيات من وجهة نظري، هي تقييمنا لما حدث في العام 2011، المعروف بـ(الربيع العربي)، فالبعض حتى الآن، يعتبره مؤامرة حاكها الغرب أو قوى الشر، أو الآخر المجهول، الذي يكرهنا دائمًا ويخطط لدمارنا، سواء عبر تدخله المباشر أو عبر عملاء يعيشون بيننا!

هذه النظرية تروج لها قوى عديدة في العالم العربي وتنفق عليها المليارات، من خلال أبواق إعلامية وصحف ومراكز أبحاث وغيرها من وسائل التواصل المختلفة. في المقابل هناك فريق آخر يعمل في الاتجاه المعاكس، ينفق أيضًا الملايين من أجل رص الصفوف لإثبات أن ما جرى خلال تلك الفترة لم يكن سوى ثورة حقيقية، كان ينبغي لها أن تنجح في اقتلاع أنظمة الحكم المستبدة التي جثمت على أنفاس شعوبها لعقود طويلة.

بالطبع هؤلاء لديهم أجندتهم الخاصة بدعم تيار الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، وتحقيق حلم تمكين هذا التيار من البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، زعمًا منهم أنهم يعكسون إرادة الجماهير!

بالتأكيد، كل طرف يدافع عن اختياراته بكل قوة، ويرى أنه يمتلك الحقيقة دون سواه، فالمناصرون لبقاء وإعادة إنتاج الأنظمة الحاكمة السابقة في ثوب جديد، لديهم مصالح لن تتحقق سوى عبر دعم وتثبيت تلك الأنظمة، وبأن تبقى في الحكم مهما كانت التضحيات ومهما كان الثمن، في المقابل يقاتل الفريق الثاني لدعم أتباعه لمنازعة هذه الأنظمة حتى لو كان العنف والإرهاب وسيلتهم لتحقيق غايتهم.

وكما انقسم العرب وتمزقوا أمام خيارات الفريقين السابقين، انقسم الغرب أيضًا أمام هذا الموقف، لكن أغلب القوى الغربية مالت نحو مساندة الأنظمة المستبدة، انطلاقًا من مصالحها الاستراتيجية، باعتبار أن الديمقراطية لن تفرز سوى تيارات متشددة ربما تشكل خطرًا على مصالحها في المستقبل!

إذن.. أين الحقيقة؟

في تقديري أن كلاً الفريقين جانبه الصواب، وأن الأمر بالتأكيد يتطلب البحث عن مسار ثالث ينبغي أن يتبنى التغيير التدريجي لنقل هذه الأمة عبر إصلاح حقيقي بعيد المدى، يبدأ بالتعليم وغرس قيم العدالة والأخلاق في نفوس الأجيال الجديدة، في محاولة لانتشالها من فخ الاستقطاب المدمر، الذي صنعه وعمقه اللاعبون الأساسيون على الساحة السياسية!

هذا التيار الثالث يمثل الطبقات المعتدلة والعريضة التي تتمتع بقدر معقول من التعليم والإنصاف، إلى جانب القدرة على الفرز السليم، وهو الذي يمثل أمل هذه الأمة في غدٍ أفضل، فلا همَّ مع عودة الأنظمة الساقطة في شكلها الجديد، ولا همَّ من أنصار جماعة الإخوان الفاشلة، هؤلاء هم من ناصروا التغيير السلمي وتبنوه كأسلوب لإطاحة الأنظمة الفاسدة.. هؤلاء الذين انتفضوا في الخرطوم، ولم يعودوا إلى منازلهم إلا بعد إجبار البشير ونظامه على الرحيل، وهم أيضًا الصامدون منذ أشهر في بغداد والجزائر ولبنان.

ونحن على مشارف عقد جديد، أزعم أن الفرصة لا تزال سانحة أمام العرب للانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بالحكمة والأمل، بعد عقد الانقسام والتيه الذي عاشوه خلال السنوات العشر الماضية، لكن ذلك الانتقال يظل مرهونًا بالابتعاد التام عن التطرف والطائفية والعنصرية والجهوية، مع التمسك بالسلمية والاعتدال في كل المطالب المشروعة، والالتفاف حول شعار العدل والأخوة والسلام!