Atwasat

وأخيرا... تبادر المكونات السياسية

آمنة القلفاط الأربعاء 18 أبريل 2018, 10:29 صباحا
آمنة القلفاط

تبدو الأحداث التي تجري على الساحة الليبية في هذه الأيام تتجه في ذات المسارات التي تعمل عليها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. ففي كلمة الممثل الخاص للأمين العام غسان سلامة أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في مدينة الرياض بالمملكة السعودية، بدأت بوادر التفاؤل واضحة مع سير الخطة الموضوعة وفق المنهجية التي رسمت لها. من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة ، انطونيو غوتيريس في جلسة مجلس الأمن حول الشرق الأوسط التي جرت الأيام الماضية، أن الوقت قد حان لإنهاء الصراع في ليبيا، وأن العمل يجري بالتعاون مع كافة الأطراف وفق الخطة "ب" التي وضعها سلامة في سبتمبر من العام الماضي.

تعتمد الخطة "ب" على عقد مؤتمر وطني جامع يأتي كنتيجة لجلسات ستعقد في عدة مدن منها طرابلس وبنغازي والقاهرة وتونس واسطنبول، بحيث تتاح فرصة المشاركة للجميع بمن فيهم من غادروا الوطن لأسباب مختلفة. وفق الخطة المعلنة فإن المحصلة النهائية لهذه الجلسات هي التوافق بين الأطراف كافة، لضمان المشاركة السياسية للجميع وفق إطار سلس ومقبول تضمنه العملية الدستورية والمسار الانتخابي، وما يعزز المساعي هووجود قانون للانتخابات مقبول من جميع الأطراف يضمن الرضا والقبول بنتائج تلك الانتخابات.

ما جرى تنظيمه في تونس اليومين الماضيين بحضور الأطراف السياسية الليبية الفاعلة يخدم ذات الهدف الذي تسعى إليه بعثة الأمم المتحدة. وجود أحزاب سياسية فاعلة في بلد ما، هو بالتأكيد ضمان لتعددية سياسية تضمن المحافظة على المسار الديمقراطي. ما تفتقده الساحة السياسية في دولة ليبيا بعد الثورة هو ميثاق شرف متفق عليه بين الأحزاب السياسية يرسم مسارات عملها ويضمن اتفاقها حول هدف واحد هو المصلحة العليا للوطن وما تستلزمه هذه المصلحة من إجراءات لا مناص منها لأي دولة ناجحة. اللقاءات دارت حول الوصول إلى إطار ينظم العمل السياسي ويرسم مسارات تحدد طبيعة العمل فيما بينها. شارك في حضورالنقاش والتوقيع على البيان الختامي مع الالتزام بما جاء فيه كل من:
• التكتل الوطني الفيدرالي
• تحالف القوى الوطنية
• جبهة النضال الوطني
• حركة المستقبل
• حزب التغيير
• حزب العدالة والبناء
• حزب الوطن
وقد تم التوصل إلى إعداد ميثاق شرف سياسي ينظم الحياة السياسية في ليبيا، بحيث يضمن عمل الأحزاب وفق المرجعية المتفق حولها. تدرج ميثاق الشرف المتفق عليه من المبادئ العامة التي يجب مراعاتها في كل حزب، إلى العلاقات البينية التي يُلتزم بها في العلاقة بين التنظيمات السياسية بعضها ببعض.

جاءت المبادئ العامة في أربعة عشر بنداً. أهمها هو ما جاء في أول البنود وهو الالتزام بالمسار الديمقراطي المدني والتداول السلمي للسلطة. ثم تأتي باقي البنود المتفق حولها، بعضها سيكون كتحصيل حاصل إذا ما تم الالتزام بالبنود التي تشكل بداية أساسية متينة وراسخة مثل: لا إقصاء لأي طرف فليبيا لكل الليبيين، والمواطنة هي أساس العلاقة بين أفراد المجتمع الليبي. في البند السادس جاء الاتفاق حول التعهد باحترام نتائج الانتخابات والحرص على حيادية واستقلالية مفوضية الانتخابات، وعدم التدخل في مسارات وتوجهات عملها. تعهدت المكونات السياسية في النقطة الثانية عشر على التعهد بعدم امتلاك السلاح خارج سيادة الدولة والعمل بجهد لإدماج أفراد التشكيلات المسلحة بالمؤسسات العسكرية والأمنية. بالتوالي تعهدت في الفقرة الثالثة عشر على العمل على حيادية المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والدينية والتأكيد على عدم خوضها في العملية السياسية. ما جاء في النقاط المذكورة هو بالفعل ما كان ينبغي العمل عليه والالتفاف حوله منذ البداية، إذ يمثل اللبنات الأساسية نحو دولة سلمية وديمقراطية، كما أنه يقودنا دفعا نحو لب المصالحة الوطنية وجوهرها.
العلاقات البينية بين التنظيمات السياسية جاءت في خمس فقرات، أهمها هو التأكيد على تبني الحوار لفض المنازعات وتسوية الخلافات بين التنظيمات السياسية. الفقرة الرابعة أيضاً ترسم ملامح العمل الحزبي الجاد والساعي لخدمة المصلحة العليا، وهي التوافق من أجل العمل المشترك نحو القضايا ذات الأهمية الوطنية مثل نزع السلاح المنتشر خارج سلطة الدولة والعمل فيما بينها لترسيخ المصالحة الوطنية والسلم المجتمعي.

ميثاق العمل الحزبي الذي تم التوافق حوله والتوقيع على بنوده من قبل المكونات السياسية المشاركة جاء تأكيداً على دعم العملية السياسية السلمية وتنظيمها من أجل ليبيا كدولة مدنية وديمقراطية، ونحو العمل لإنتاج مناخ منصف وعادل وضامن للأفراد، العمل السياسي السلمي بكل حرية وطمأنينة. في الختام وجه الحضور الدعوة لكافة التنظيمات السياسية الليبية للتوقيع والالتزام بما جاء في الميثاق خدمة للصالح العام.

جاء هذا العمل بالتوازي مع عدة جهود، منها جهود بعثة الأمم المتحدة، جميعها تسعى لإنهاء المرحلة الانتقالية والمضي قدما نحو بداية حقيقية تضمن الانتقال السلمي للسلطة والرضا بنتائج الانتخابات. نأمل أن تفي المكونات السياسية بما تعهدت به، يحذونا الأمل في أن ينتهي الصراع المسلح الذي تدعم بعض المكونات السياسية أطرافا مختلفة منه، كلنا رجاء في أن تتبنى الأحزاب السياسية الجهود السلمية المتاحة للجميع وفق برامجها وسياساتها، وأن تَصْدق في العمل لتحقيقها.