كل شيء في المقهى الذي يديره في وارسو البيلاروسي اللاجئ لأسباب سياسية إلى بولندا ساشا أفديفيتش، سواء تصميمه الداخلي الأنيق أو رائحة حبوب البن المطحونة الطازجة، يوحي للوهلة الأولى أنه كغيره من تلك المقاهي العصرية في المدينة الأوروبية الشرقية.
لكن منضدة العمل المنخفضة التي يستطيع ذوو الكراسي المتحركة استخدامها، والملصق الذي كُتِب عليه باللغات البولندية والإنجليزية والبيلاروسية أن «الباريستا (مُعِدّ القهوة) المناوب ضعيف السمع» يَشِيان بأنه ليس مكاناً عادياً، وفقا لوكالة «فرانس برس».
أسّسَ أفديفيتش، وهو نفسه يتنقل على كرسي متحرك، أول مقهى يحمل اسم «إنكلوزيف باريستا»، عندما كان لا يزال في بيلاروس، وسرعان ما أصبح ناشطاً معروفاً دفاعا عن الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا البلد الذي يحكمه بقبضة من حديد الرئيس الكسندر لوكاشنكو.
- مقهى فرنسي في نيويورك يفتح أبواب التوظيف لذوي الإعاقات العقلية والإدراكية
- «بوينغ 707» تتحول إلى مقهى وصالة أفراح في فلسطين
- تجربة فريدة.. مضطربون ذهنيًا يديرون مقهى
وشارك الرجل البالغ 40 عاماً في الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي شهدتها بيلاروس على إثر الانتخابات الرئاسية التي أعادت لوكاشنكو إلى السلطة عام 2020 ووصفتها جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان بأنها مزورة.
وقرر أفديفيتش تَركَ بيلاروس بعدما عمد لوكاشنكو إلى قمع أية معارضة له بعنف.
وروى أفديفيتش لوكالة «فرانس برس» أن كثراً اتصلوا به حينها وقالوا له «ساشا، غادر البلد إذا لم تكن ترغب في أن ينتهي بك الأمر في نعش».
وفي خضمّ جائحة كوفيد، توجه أفديفيتش بدايةً إلى جورجيا، ثم انتقل إلى جزر الكناري، قبل أن يطلب الحماية الدولية في فرنسا، واستقر في نهاية المطاف في بولندا، حيث يعيش اليوم عشرات الآلاف من سكان بيلاروس الذين فروا مثله من القمع.
ولاحظ أفديفيتش أن «ثمة الكثير من المهاجرين ذوي الإعاقة».
مقهى عالمي وشامل
ما إن استقر في وارسو، حتى نظّم برنامجاً تدريبياً على مهنة الباريستا للأشخاص المُقعدين.
ومن أبرز ما تدرّب عليه المشاركون في هذا البرنامج تقديم القهوة على عربات مجهزة خصيصاً لتلائمهم خلال المهرجانات التي نظمها أفديفيتش أيضاً.
كذلك شَرَعَ في رسم مخططات أول مقهى له في بولندا، وعندما وجد أفديفيتش مقراً يصلح لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، بالقرب من شقته وفي منطقة براغا الشهيرة، قرر مع شريكه التجاري إقامة هذا المقهى فيه.
وقال أفديفيتش «كان لدينا ما يكفي من المال لدفع الإيجار ثلاثة أشهر، فقررنا أن نُقدم على الخطوة مهما حدث».
وافتُتِح المقهى في أبريل الفائت، ويعمل فيه أشخاص من ذوي الإعاقات المختلفة بالإضافة إلى مهاجرين، ليس فقط من بيلاروس.
ويريد المؤسسان أن يكون مقهاهما عالمياً وشاملاً قدر الإمكان.
وقال أفديفيتش «أقمنا في الآونة الأخيرة مسابقة (راب باتل) بين المغنين وسننظم قريباً مواعدة سريعة»، وهي عبارة عن سلسلة من اللقاءات القصيرة، كما يطلق المقهى أيضاً مدرسة لمنسقي الموسيقى «دي جاي» لذوي الإعاقة.
فقد أفديفيتش القدرة على استخدام ساقيه عندما أصيب بكسر في ظهره من جرّاء حادث دراجة نارية العام 2011. وعلّق ضاحكاً «لا توجد عملية جراحية لهذا النوع من الإعاقة، ولا يمكنني تالياً أن أمشي مجدداً، حتى لو كنت بيل غيتس»، وبعد وقت قصير من وقوع الحادث، قال لنفسه: «حسناً، أنا على قيد الحياة. ماذا يمكنني أن أفعل؟ لدي ذراعان تعملان».
وأضاف: «اليوم نحن هنا، في مقهانا، لكي نجعل العالم مكاناً أفضل».
تعليقات