عندما تحطّم سد في صيف 2023، وغمرت مياهه الحقول الزراعية، رأى سكان قرية رومانية في دلتا الدانوب في الحادثة مؤشراً إلى استعادة الطبيعة حقوقها.

لكنّ المزارعين لم يستسلموا، وطالبوا بتعويضات، وبحقهم في أن يعاودوا ممارسة الأنشطة الزراعية في هذه التربة الخصبة التي تغطي مساحة تزيد على ألف هكتار، وفق وكالة «فرانس برس».

وتوفّر ماموديا (جنوب شرق) عند مشاهدتها من أعلى مشهداً لمساحة من الأراضي المغمورة التي تظهر أنماطاً هندسية، على بُعد بضع مئات من الأمتار من القسم المأهول.

ويشيد يوجين غريغوروف (51 سنة)، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، وهو مرشد يوفّر رحلات بالقوارب، بهدوء المكان وانخفاض التلوث. ويقول: «لا مزيد من الجرارات أو مبيدات الأعشاب»!. ويشير إلى أعداد من البجع والنوارس العاجية موجودة بعيداً في هذا الملاذ للتنوع البيولوجي.

 لا نلعب مع الطبيعة
ويتذكّر الخراب الذي حلّ في ظل الحكم الديكتاتوري الشيوعي لنيكولاي تشاوشيسكو خلال ثمانينات القرن العشرين، متذكّراً مشاهد جزر القصب وهي تحترق طوال أشهر كاملة، لتجفيف المستنقعات وتحويلها إلى أراض صالحة للزراعة.

لكن في العام 2012، وبفضل تمويل تلقّته من الاتحاد الأوروبي، أطلقت رومانيا مشروعاً لاستعادة النظم البيئية المتضررة في المنطقة، يأمل الناشطون البيئيون أن يسهم قانون جديد، أُقرّ في منتصف يونيو بروكسل، تسريع تنفيذه.

ويفرض القانون اتخاذ تدابير بحلول العام 2030 لإصلاح 20% من المساحات البرية والبحرية في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، و30% من موائل الأراضي الرطبة، والغابات، التي تعد حالتها سيئة.

ويشير الصندوق العالمي للطبيعة، وهو منظمة غير حكومية، إلى أنّ «النظم البيئية المائية تتعافى بشكل أسرع بكثير من الغابات». ويقول عالم الأحياء دراغوس باليا لوكالة «فرانس برس»: «في حال عدم لمسها، سنعاود خلال السنوات العشر إلى الـ15 المقبلة رؤية أكثر من 70% من التنوع البيولوجي الرئيسي». ويستمتع الناشط بـ«مشهد» الطيور في الدلتا، ويتولّى بنفسه مراقبة أكثر من 90 نوعاً.

ويرى أنّ انهيار السد الذي حدث بعد سلسلة من العيوب بحسب السلطات المحلية، نعمة. ويقول: «لا نلعب مع الطبيعة، فالأمر ينتهي دائماً باستعادتها لحقوقها».

تعويضات عادلة
تشكلت بحيرة كبيرة عقب انهيار السدّ، استقطبت صيادين وسياحاً، بحسب أيون سيربيسكو، رئيس بلدية القرية التي يبلغ عدد سكانها ألفي نسمة، وتتزايد فيها بيوت الضيافة. ودعا إلى عدم لمس أي شئ، وقال: «دعونا نترك الوضع كما هو، خصوصاً أن إعادة بناء السد الذي بات في حالة خراب بأماكن كثيرة، ستكلف ما بين 20 و30 مليون يورو»، بحسب حساباته.

ويشعر الرجل، البالغ 67 سنة، كأنّ القرية عادت إلى ما كانت عليه في مرحلة شبابه، قبل أن يغيّر المزارعون صورتها. وينتظر المسؤول المنتخب الآن توجيهات من الحكومة، بينما عبّرت لجنة من الخبراء عن رأي إيجابي بشأن الإصلاح البيئي للموقع.

وخلال زيارة الموقع في يونيو، رأى وزير البيئة ميرسيا فيشيت أنّ عملية «تأهيل السدّ بدأت بالفعل». لكنّ السلطات تستعد لمعركة قانونية محتدمة، إذ أطلق عدد من مستخدمي الأراضي ملاحقات احتجاجا على الأضرار المالية.

ويؤكد إيمانويل دوبرونوتينو، وهو شريك في إحدى الشركات، أنه خسر 730 هكتاراً من القمح والذرة ودوّار الشمس والبرسيم الحجازي، في خسارة يشير إلى أنّها أعلى بكثير من مليوني ليو (نحو 400 ألف يورو) التي احتسبتها الدولة لآخر حصاد في العام الماضي.

ولا يعارض دوبرونوتينو إجراء عمليات ترميم للأراضي، لكنّه يقول: «كما هي الحال في حالات المصادرة، يجب أن نتلقّى أولاً تعويضات عادلة». وإذا فاز بقضيته فسيكون أسعد رجل في العالم، على قوله، ولن يتردد في أخذ صنارة صيده، للاستمتاع بالهدوء المُستعاد في دلتا الدانوب.