تضجّ سوق السمك في كيراتسيني، إلى غرب من أثينا، بحركة لا تهدأ، وتفوح فيها بقوة رائحة السردين والأنشوفة التي تُفرغها سفن الصيد في صناديق، لتحميلها في الشاحنات، وفق وكالة «فرانس برس».
أمام مركب الصيد العائلي «بانايوتا 2»، راح ليفتيريس أراباكيس يفرز محتويات غلّته التي تغلغلت إليها مختلف أنواع النفايات المتأتية من قاع البحر في الخليج الساروني ببحر إيجة، من زجاجات وأحذية وأنابيب بلاستيكية وآلات وشبكات صيد وسواها.
وقال هذا الاقتصادي البالغ 29 عاماً، الذي شارك في تأسيس منظمة «إيناليا» غير الحكومية التي تساعد صيادي الأسماك على تنقية شباكهم مما علق فيها مع الأسماك من نفايات بحرية، إن الوزن الإجمالي لما استخرجه يومها بلغ «100 كيلو غرام». وأعرب ليفتيريس أراباكيس عن أسفه، لكون «كمية البلاستيك ستكون أكبر من عدد الأسماك» في المكان بحلول العام 2050، استناداً إلى ما تفيد به تقارير بيئية. وعلّق قائلا: «إننا نسبح في البلاستيك».
وليس مصدر النفايات البحرية اليونان وحدها، بل تحملها التيارات من مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط. وجعلت المنظمة منذ تأسيسها أكثر من 1200 صياد سمك يتعاونون معها، وهي تعمل على توعيتهم بـ«تدهور البيئة البحرية».
وتنشط المنظمة في 42 ميناء بمختلف أنحاء اليونان، ومن أبرز أنشطتها تزويدها الصيادين بأكياس كبيرة للنفايات البحرية، ليمكنهم وضعها في القمامة لدى عودتهم إلى المرفأ. وفي مقابل كل كيلو غرام من البلاستيك ينقلونه، يحصلون على أجر ضئيل، و«غالبا ما يكون هذا المبلغ رمزيا لتناول مشروب...»، على ما أوضح ليفتيريس أراباكيس خلال جولة نُظمت لصحافيين، بينما تعقد 175 دولة اجتماعاً في باريس، لوضع الخطوط العريضة الأولى لمعاهدة من أجل مكافحة التلوث البلاستيكي.
استخراج 20 طناً من البلاستيك
قال مختار محرّم، وهو قائد الفريق في «بانايوتا 2» ويشارك في برنامج «كلين آب» الذي أطلقته «إيناليا»، إن الصيادين كانوا يجدون في شباكهم «كميات كبيرة من البلاستيك»، مضيفاً: «كنا نحتفظ بالأسماك فحسب، ونعيد إلقاء كل النفايات في البحر».
وقد استخرجت هذه المنظمة غير الحكومية منذ أكتوبر 2022 نحو 20 طناً من البلاستيك ومعدات الصيد القديمة، مما رفع إجمالي ما انتشلته من البحر منذ إنشائها في العام 2018 أكثر من 597 طنا. ويُرسل البلاستيك المستعاد إلى مصنع إعادة التدوير، حيث يُحوّل إلى كريات لصنع منتجات جديدة مثل الجوارب وملابس السباحة والأثاث.
وتشكّل شباك الصيد 16% من مجمل النفايات المستعادة، تليها لدائن البولي إيثيلين العالية الكثافة (12,5%)، والمنخفضة الكثافة (8%)، فالمعادن (7,5%)، وأنواع أخرى من البلاستيك القابل لإعادة التدوير. أما البقية، أي 44%، فنفايات مصنوعة من مواد بلاستيكية غير قابلة لإعادة التدوير.
وأقرّت مديرة المبيعات في مصنع إعادة «سكاي بلاست» لإعادة التدوير في ميغارا هانا بيرتوت بأن «من الصعب إعادة تدويرالنفايات البحرية»، واصفةً إياها بأنها «تحدّ».
فهذه المواد البلاستيكية التي غالبا ما تبقى في البحر مدة طويلة تتحلل، ويكون إمكان إعادة استخدامها محدودا أكثر. ينتمي ليفتيريس أراباكيس إلى عائلة امتهنت صيد الأسماك منذ خمسة أجيال، لكنه أصبح عاطلاً من العمل في العام 2016 خلال الأزمة المالية. وخلال إحدى رحلاته الأولى إلى أرخبيل سيكلاديز، رأى الصيادين يلقون النفايات العالقة بشباكهم في البحر، وحفّزه هذا المشهد على اتخاذ قرار بمعالجة المشكلة.
«تغيّر العقلية»
إلى جانب اليونان، تعمل «إيناليا» أيضاً في إيطاليا. وانطلق المشروع هذه السنة أيضاً في الأندلس (إسبانيا) ومصر وكينيا. ويشعر نيكولاوس مينتيس، وهو صياد في جزيرة سالاميس مقابل كيراتسيني، بارتياح كبير لدى رؤيته «عدداً أكبر من الأسماك» عندما يذهب إلى البحر.
وروى هذا الصياد المحترف أن «المرساة غالباً ما كانت تتعطل في الماضي بسبب النفايات من كل الأنواع، خصوصا الشباك، وكان المحرك ينطفئ». ورأى ليفتيريس أراباكيس أن «تغيّر عقلية» الصيادين يثبت أن «أي مواطن أو سياسي يستطيع الإسهام في تحسين البيئة». إلا أنه حرص على أن يكون واقعياً في مواجهة التهديد الذي يمثّله تلوث البحار. وقال: «إننا نتصدى للأعراض لا للمشكلة الحقيقية»، إذ لا يزال إنتاج البلاستيك في العالم عند مستويات عالية.
تعليقات