أكد عضو مجلس اللوردات البريطاني وزير القوات المسلحة اللورد نيكولاس سومز أن مكافحة الفساد النفطي في ليبيا ينبغي أن تكون أولوية للقوى الغربية مثل بريطانيا، وأن تجاهل هذا الفساد «يضع ليبيا على طريق الدمار».
وحذر في مقال نشرته جريدة «ذا تلغراف» البريطانية، أمس الجمعة، من تركيز روسيا على القارة الأفريقية كجبهة جديدة لتوسيع نطاق نفوذها ومصالحها خارج أوكرانيا، ويؤكد أنه «لا يمكن للغرب غض الطرف».
وقال اللورد سومز، وهو حفيد ونستون تشرشل، إنه «على الرغم من التداعي على الجبهة الأوكرانية، لا يمكن أبدا الاستهانة بفلاديمير بوتين، ورغم أن المجهود الحربي دفعه إلى إبرام صفقات مع ديكتاتوريين أمثال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلا أنه لا يزال خبيرا تكتيكيا».
ويشير إلى أن بوتين الذي قضى 24 عاما في رئاسة روسيا يواصل تعزيز توغل روسيا مستخدما طرقا سرية عدة، ومستغلا الأحداث الدولية لضمان منافع لبلده روسيا في كل مناسبة.
بوتين يتحول إلى أفريقيا
وبعد تعثره في أوكرانيا، يشير المقال إلى تحول بوتين إلى أفريقيا باعتبارها جبهة جديد يمكن من خلالها تحدي المصالح والقيم الغربية، ملوحا بما وصفه بـ«جزرة الفساد» لدعم الفصائل السلطوية داخل الأنظمة الديمقراطية المتعثرة.
وفي منطقة الساحل ودول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، يقول السير سومز: «تمكن بسرعة في تكوين صداقات مع أولئك الذي يحتقرون حقوق الإنسان والديمقراطية، في حين يستخدم التكنولوجيون السياسيون من مجموعة فاغنر الحملات المضللة للإيقاع بين الشعوب العادية والغرب».
دعم روسي يعيد ليبيا إلى الديكتاتورية
وفي حالة ليبيا، يشير المقال إلى «استغلال روسيا للتوترات الأهلية المستمرة، والمناوشات بين حكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من الأمم المتحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وقائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر» ولفت إلى «الدعم الكامل الذي قدمه بوتين لمحاولة حفتر إنشاء سلالة حاكمة جديدة تعيد ليبيا مجددا إلى الحكم الديكتاتوري».
ومكنت تلك الصداقة الناشئة، حسب مقال اللورد سومز، بوتين من إرسال قواته المرتزقة إلى ليبيا وما بعدها، ما تسبب في زعزعة استقرار عديد من بلدان منطقة الساحل في أفريقيا، كما أنها سمحت ببدء النقاشات حول إقامة قاعدة جديدة للغواصات النووية الروسية في ميناء طبرق.
البحر المتوسط.. ساحة معركة جديدة بين روسيا والغرب
ونبه اللورد سومز إلى أن هذا يضع الاتحاد الأوروبي في مرمى النيران الروسية، ويجعل من البحر المتوسط ساحة معركة جديدة محتملة، وقال: «في اعتقادي، يستحضر هذا في ذهني سيناريو أزمة الصواريخ الكوبية، ولكن هذه المرة مع وجود أوروبا في مرمى النيران وتحول البحر المتوسط إلى ساحة معركة جديدة محتملة لأوروبا الغربية».
- تقرير فرنسي: الحدود الليبية منصة جديدة لتوسيع الإستراتيجية الروسية في المنطقة
- «هذا المساء» يناقش: الغرب ونفط ليبيا.. ضد الفساد أم صراع مع موسكو؟
- خبراء يحذرون: النفوذ الروسي في ليبيا يصل «مستويات خطيرة»
- «ديفينس نيوز»: واشنطن فشلت في التعامل مع حفتر.. والنهج الأميركي منح موسكو الفرصة
وأضاف: «يتعين على قادتنا أن ينتبهوا إلى هذه الألعاب السياسية التي يمارسها بوتين. ورغم أهمية أوكرانيا التي تحتاج إلى دعمنا الكامل، فلا يجوز لنا أن نعتقد أن بوتين لا يفكر إلا في حملة عسكرية واحدة»
وتابع: «من بين الأمور التي ينبغي علينا أن نبدأ بها الآن أن ننظر إلى مصادر القوة بالنسبة لحلفاء بوتين الجدد والتأكد من عدم قدرتهم على الازدهار وتشجيع طموحات الكرملين الخطيرة».
فساد يمكن التوغل الروسي في ليبيا
وبالنسبة إلى المشير خليفة حفتر، قال اللورد البريطاني إن «الأموال نفسها التي كانت تتدفق إلى الحسابات المصرفية لمعمر القذافي، يتم الآن تحويلها إلى التشكيلات المسلحة التابعة له شخصيا».
وتحدث المقال عن استغلال الثروة النفطية الهائلة التي تملكها ليبيا لإحباط أي مساعٍ للانتقال إلى الدولة الديمقراطية، وقال: «نظريا، من الممكن أن تسهيل الثروة النفطية في ليبيا المسار صوب الرخاء الاقتصادي والدولة الفاعلة في أعقاب ثورة العام 2011، لكن عوضا عن ذلك، تم استخدامها لإحباط أي طموحات ديمقراطية للشعب الليبي عند كل منعطف».
بن قدارة يتحمل مسؤولية «الفرص الضائعة»
ويحمل اللورد سومز المؤسسة الوطنية للنفط ورئيسها فرحات بن قدارة مسؤولية ما وصفه بـ«فرص ضائعة»، وقال: «تلعب المؤسسة الوطنية للنفط، بقيادة فرحات بن قدارة، دورًا محوريًا في تلك الفرص الضائعة. إن الفساد المتزايد وسوء الإدارة مستوطن داخل المؤسسة الوطنية للنفط وموثق بشكل جيد».
وأضاف: «قد تم الإبلاغ عن قضايا خطيرة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك فقدان ما قيمته مليارات الدولارات من حسابات مؤسسة النفط، ومسائل تتعلق بالوفاء باتفاقيات الطاقة مع أوروبا، والبدء في مشاريع حقول نفطية جديدة في صفقات خلف الكواليس».
وأشار إلى دور مناخ الإفلات من العقاب بليبيا في تسهيل هذا الفساد، إضافة إلى ما اعتبره «التزام المشير حفتر بالاستيلاء على الموارد الوطنية باعتبارها موارده الخاصة، وإحباط العملية الديمقراطية».
وفي تلك الأثناء، يكافح الليبيون لسد احتياجاتهم اليومية وتوفير الكهرباء والوقود وغيرها، على الرغم من «وقوفهم على بحر من النفط»، على حد تعبير المقال، الذي أشار إلى تهالك البنية التحتية في ليبيا، وهي بحاجة ماسة إلى الاستثمارات، لكن جرى تجاهلها من قبل المسؤولين.
وبرزت العواقب المميتة لتلك السرقة الممنهجة، حسب المقال، بشكل صارخ في انهيار سدي مدينة درنة في شرق ليبيا العام الماضي، جراء فيضانات شديدة صاحبت مرور العاصفة «دانيال»، ما أودى بحياة زهاء 5 آلاف شخص وفقدان آلاف أخرين.
دعوة لمواجهة الفساد في ليبيا
وحذر المقال من أنه «إذا لم تتم مواجهة هذا الفساد النفطي بشكل مباشر، ستواصل ليبيا مسيرتها على طريق الدمار». وقال: «تنشغل القوى الغربية عن التطورات في ليبيا بالأحداث في أوكرانيا والأولويات المحلية الفورية. لكن خطورة هذا الأمر واضحة للعيان، سيجد الطغاة والمستبدون طريقهم إلى السلطة عبر القارات الاستراتيجية مثل أفريقيا، حيث يتطلعون إلى الطغاة القتلة مثل بوتين لضمان حكمهم القمعي مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية وفرص مضايقة الغرب».
ولهذا أكد على ضرورة ألا تسمح الحكومة الأوروبية بحدوث ذلك، والاعتراف بحقيقة أن ألعاب بوتين الجيوسياسية تمتد أبعد من الحرب في أوكرانيا.
ففي ليبيا، على سبيل المقال، ينبغي منح الأولوية للمعركة ضد الفساد النفطي قبل أن يتلاشى أي أمل في تحقيق الديمقراطية في البلاد.
وقال اللورد سومز: «بخلاف ذلك، سينصب المشير حفتر نفسه باعتباره اليد اليمنى لبوتين في أفريقيا، يستخدم ليبيا كمنصة يمكن من خلالها أن تسيطر موسكو على أجزاء رئيسية في البحر المتوسط، وتحويل الانتباه عن الصراع المطول في أوكرانيا إلى ساحات قتال جديدة في الجنوب العالمي».
تعليقات