تتبع تحقيق صحفي بلجيكي قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج، حيث توصل إلى آلاف الوثائق التي تثبت تبخر جزءً من الفوائد المستحقة عليها، إضافة إلى أن مصير جزء آخر يظل مجهولا.
وأشار التحقيق، المنشور خلال الأسبوع المنقضي بجريدة «لوسوار» البلجيكية، إلى تتبع العدالة البلجيكية أثر نحو 2.3 مليار دولار من فوائد الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، بعد أكثر من سبع سنوات من التحقيقات في هذا الملف، واتضح الإفراج عنها بشكل غير قانوني بين العامين 2012 و2017، وأظهرت التحقيقات أن جزءا من هذه الأموال استثمر في حسابات في لوكسمبورغ والبحرين، بينما يبقى مصير نحو 800 مليون دولار غير واضح.
وانتقد التحقيق الوقت الطويل الذي استهلكته مثل هذه القضية التي بدأت على يد القاضي ميشيل كليز المتقاعد الآن، لتنتقل إلى القاضي بول جيرارد، وقالت «لوسوار» إنها تمكنت من الإطلاع على آلاف الصفحات من ملف القضية المعروف بالأموال الليبية، والتي تشير إلى نجاح العدالة جزئيا في تتبع مسار مئات الملايين من الدولارات المفرج عنها بشكل غير قانوني، في انتهاك واضح للوائح الأمم المتحدة التي فرضت تجميد الأصول الليبية في الخارج عقب انتفاضة 2011.
بداية قصة الأموال الليبية
ولفهم القصة، عادت الجريدة البلجيكية بالزمن إلى الوراء، وتحديدا إلى أكتوبر العام 2011، حين فرضت الأمم المتحدة حظرا على الأسلحة وتجميد الأصول الليبية، بما في ذلك الموضوعة من قبل صناديق سيادية مثل مؤسسة الاستثمار الليبية أو فرعها «لافيكو» في الخارج، إذ جرى تجميد مبلغ 14 مليار يورو مودعة في بنك «يوروكلير» في بروكسل.
وتتألف هذه الأصول الليبية من مبالغ نقدية وأسهم أو قسائم سندات، وتابعت الجريدة «منطقيا تولّد هذه الأصول فوائد كثيرة. حول هذه الفوائد ستنشب قضية الأموال الليبية».
- شركات في غرب أفريقيا تحت المراقبة بسبب مليارات ليبية مخبأة
- «بلومبرغ»: الحكومة الليبية تلجأ إلى القضاء الأميركي لمعرفة مصير 100 مليار دولار
- الحكومة الليبية تنفي اتخاذ إجراءات في أميركا لاسترداد أموال «منهوبة»
- ليبيا تطلب من مالطا استعادة أكثر من 80 مليون يورو من أموال مرتبطة بالقذافي
- محكمة مالطية تواصل جلسات الاستماع في قضية استعادة الأصول الليبية
- نجل القذافي امتلك 94 مليون يورو في حسابات بنكية بمالطا
ففي أكتوبر العام 2012 بعد تحديث اللوائح الأوروبية التي تطبق التدبير الأممي، وبعد موافقة خطية من رئيس الخزانة في ذلك الوقت - المسؤول عن تطبيق تدابير التجميد - سُمح لـ«يوروكلير» بـ«إلغاء تجميد» الفوائد على هذه الأموال المجمدة، ثم في العام 2018 حكم خبراء لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة بأن ذلك كان انتهاكا لتدابير التجميد.
الإفراج عن فوائد بأكثر من ملياري دولار خلال 6 سنوات
أما بين العامين 2012 و2017، تاريخ المصادرة الجنائية التي أمر بها القاضي كليز على 14 مليارا من الأموال الليبية بعد شكوى جنائية من جمعية الأمير لوران السابقة، اُكتشف أن أكثر من 2.3 مليار دولار من الفوائد أفرج عنها.
وحسب «لوسوار»، كان هذا الرقم معروفا وكُشف عنه بعد المعلومات الأولى المنشورة في مجلة «لو فيف»، وجلسات الاستماع في لجنة المالية في البرلمان التي جرت في نهاية الولاية التشريعية في عهد حكومة شارل ميشيل، وما كان مجهولا هو مصير المليارين اللذين أعيدا إلى المؤسسة الليبية للاستثمار.
وقالت الجريدة إنها تمكنت من تتبع جزئيا مصيرها بفضل آلاف الوثائق القضائية، بما في ذلك تقرير سري من شركة الاستشارات «ديلويت».
تفاصيل تقرير سري من «ديلويت»
وتحدث التحقيق عن وصول أصغر حصة من الفوائد والأرباح المجمدة 54 مليون دولار على الأقل إلى حسابات مؤسسة الاستثمار الليبية المفتوحة في بنك «إتش إس بي سي» بلوكسمبرغ بموجب اتفاقية العام 2007، حيث يدير البنك جزءا من محفظة الأسهم للمؤسسة في طرابلس، ويلعب بنك «يوركلير» دور الحافظ الفرعي لهذه الأصول.
ومع ذلك يوضح تقرير سري من شركة «ديلويت» بطلب من المؤسسة، وضمن ملف التحقيق القضائي، أن جميع عائدات الاستثمارات المستلمة من «يوروكلير» في «إتش إس بي سي»، الـ54 مليون دولار، ظلت مجمدة في هذا البنك الأخير، ولم تحول لاحقا إلى حسابات أخرى للمؤسسة خارج «إتش إس بي سي» HSBC أو لأطراف ثالثة.
وأكد ذلك أيضا محضر العام 2019، الذي يحلل نتائج طلب المساعدة من السلطات في لوكسمبورغ، التي فتشت مقر البنك بناء على طلب القاضي كليز، ويفهم من ذلك أن الفوائد المفرج عنها من «يوروكلير»، وتلقاها «إتش إس بي سي» أعيد استثمارها بشكل منهجي في الأوراق المالية التي كانت مصدر هذه الإيرادات، ولا يمكن «إيجاد أي أثر لمغادرة الأموال نقدا إلى وجهات أخرى»، حسب الجريدة البلجيكية.
وعقبت الجريدة «لوسوار»: «ببساطة، دخلت الأموال الليبية في جولة صغيرة في لوكسمبرغ وهذا كل شيء، ثم أعيد استثمارها وبالتالي تحقق فوائد إضافية، وهو ما لم يكن ممكنا لو طبقت اللائحة على تجميد الأصول بشكل صحيح من قبل الدولة البلجيكية».
إعادة استثمار أموال في البحرين
بنفس الفكرة ولكن على نطاق أوسع، أعيد استثمار نحو 1.45 مليار دولار في ودائع قصيرة الأجل لدى البنك العربي المتحد، وهو مؤسسة يملك فيها مصرف ليبيا المركزي حصة الأغلبية، وبخصم رسوم الإدارة التي دفعتها مؤسسة الاستثمار وفرعها «لافيكو» للبنك، ستحصل المؤسسة على 1.556 مليار دولار أعيد استثمارها أو حولت للمؤسسة العربية المصرفية، وفقا لنفس تقرير «ديلويت»، معتبرة أن هذه أيضا «تسريب مشبوه لرأس المال» الليبي.
كما يبقى نحو 800 مليون دولار من الفوائد المفرج عنها من «يوروكلير» والتي تظل وجهتها غامضة.
وفي المقابل، جرى تحويل أكثر من 155 مليون دولار من الفوائد والأرباح المرسلة إلى المؤسسة الليبية للاستثمار عبر المؤسسة العربية المصرفية، ثم دفعت لأطراف ثالثة، إضافة إلى 304 ملايين دولار لـ«لافيكو» التي ضختها مع مبلغ 335.9 مليون دولار في استثمارات جديدة خارج نطاق المؤسسة العربية المصرفية في استثمارات في الأسواق المالية في شركات أو تحويلها لأطراف ثالثة.
لكن بناء على تقرير «ديلويت» الذي يقدم هذه الأرقام، والذي يزيل بالمثل لغزا قانونيا وماليا بلجيكيا قديما يعود إلى سبع سنوات، إلا أنه لم يعثر على «انحرافات» أو «اختلاسات» في الأموال الليبية.
خطر تمويل «الميليشيات»
وفي تفاصيل أخرى، فإن القلق الكبير في القضية هو أن جزءا من هذه الأموال المفرج عنها بعد موافقة الخزانة البلجيكية قد ساهم في تأجيج الحرب في ليبيا.
وأشارت الجريدة البلجيكية إلى تقدير لخبراء أمميين في العام 2017، مفاده أنه «في طرابلس تتدخل الجماعات المسلحة في إدارة وتمويل مؤسسات مثل مؤسسة الاستثمار الليبية وشركة البريد والاتصالات وتقنية المعلومات الليبية، لافتة أيضا إلى معاناة مؤسسة الاستثمار من انقسام المؤسسة خلال السنوات الماضية.
ولفتت إلى التقرير النهائي للأمم المتحدة العام 2018، الذي رصد «السلوك الإفتراسي» للجماعات المسلحة تجاه مؤسسة الاستثمار، فقد «تلقت مجموعة الخبراء تقارير موثوقة عن تدخل لواء النواصي، وهي جماعة مسلحة، في أنشطة المؤسسة، إذ أُجبرت إدارة الهيئة على تجنيد مرشحين من الجماعة، ووجه قائد اللواء تهديدات للإدارة، التي حاول بعض أفرادها مغادرة طرابلس، وفي مايو 2018 حاولت الهيئة نقل مقرها من العاصمة للبقاء نشطة، لكن الجماعة المسلحة عارضت بشدة، وخطفت موظفا لبضع ساعات».
ويختتم تحقيق الجريدة، أن عدم استقرار مؤسسة الاستثمار الواضح خلال السنوات التالية لثورة فبراير، مع عدم قدرة العدالة البلجيكية على التحقق من المستفيدين الدقيقين بالأموال الليبية المفرج عنها، «يجعل مخاوف غسل الأموال لدى العدالة واضحة، مؤكدة أن قصة الأموال الليبية المجمدة لم تكشف عن كامل أسرارها».
تعليقات