فجرت موافقة مجلس النواب بالإجماع على أكبر ميزانية في تاريخ البلاد، خلافاً جديداً في الساحة السياسية الليبية، معيدة معركة الصلاحيات بين المجلسين الرئاسي والدولة، وسط تهديد باللجوء إلى القضاء لإجهاض القرار الذي جاء نتيجة تقارب واتفاق بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، في وقت يحذر فيه البعض من الأبعاد الاقتصادية لهذه الخطوة، بما فيها الحديث عن عجز مالي ومخاوف من شبح إفلاس خزينة الدولة على المدى المتوسط.
وتقدر الموازنة المثيرة للجدل بنحو 179 مليار دينار، بعدما وافق مجلس النواب في جلسة مغلقة على طلب حكومة أسامة حماد بإضافة مخصصات تقارب 89 مليار دينار تخصص للفترة المتبقية من العام الحالي، بفارق 90 مليار دينار عن ميزانية العام 2023، ما يوضح أن هذا الجزء من الأموال يهدف إلى تغطية الإنفاق الموازي لدى السلطات في شرق ليبيا، خلال منح الموازنة لحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» في طرابلس.
وطمأنت عضو مجلس النواب سلطنة المسماري بإنفاق الميزانية على جميع الأراضي الليبية، وأنها «ارتفعت نتيجة اكتشاف بعض البرلمانيين لدى تواصلهم مع القطاعات والبلديات أن الميزانية الأولى المعتمدة لم تكن كافية»، فيما أكد أعضاء آخرون تنفيذ الميزانية الإضافية من قبل المصرف المركزي.
حكومة حماد تدافع عن الميزانية
وقبل يوم واحد من انعقاد جلسة المجلس التي حضرها ما بين 40 أو 45 نائباً أخلى 6 أعضاء باللجنة المالية العليا المشكلة لإعداد مقترح الميزانية العامة مسؤوليتهم عما يترتب على إصدار قانون الموازنة دون اعتماد نهائي من أعضاء اللجنة، لعدم اطلاعهم على المسودة النهائية والمخصصات المالية المدرجة.
ودافعت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد عن اعتماد المجلس ما سمته «الميزانية العامة الموحدة لكامل التراب الليبي»، واعتبرتها تنعكس إيجابياً على مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة، وتعزز مبدأ الشفافية في الإنفاق العام وفقاً للقانون المالي للدولة.
مجلس الدولة يدعو إلى الطعن على قانون الميزانية
وجاءت أبرز ردود الأفعال الغاضبة من المجلس الأعلى للدولة الذي دعا كل ذي مصلحة إلى الطعن فيما صدر عن مجلس النواب من قوانين بالمخالفة، أمام القضاء المختص.
- للاطلاع على العدد «451» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
وفي خطاب لرئيس المجلس محمد تكالة إلى رئيس مجلس النواب، عدّد ما شاب جلسة إقرار الموازنة من «مخالفات جسيمة ومتعددة»، عبّر عنها أعضاء مجلس النواب أنفسهم عبر وسائط إعلامية مختلفة وفق قوله. وأصل الاعتراض عدم الالتزام بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى المجلس الأعلى للدولة، لإبداء الرأي الملزم بشأنه، وفقاً لما تحدد بنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات، محذراً من تسبب القرار في مزيد الانقسام والهدر للموارد والمقدرات العامة. وفي تلميح ضمني إلى محافظ المصرف المركزي حمل المشاركين به المسؤولية عن «آثاره السلبية على المجتمع ومستقبل البلد».
وتابع تكالة في تصريحات تلفزيونية له إن قانون الميزانية المُخالف مرفوض، ولن يُطرح هذا الملف خلال لقاء القاهرة، في إشارة إلى اجتماعات الرئاسات الثلاث منتصف الشهر الجاري.
المنفي يحدد 3 شروط للميزانية الموحدة
ودخل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على خط الجدال بشأن الميزانية الجديدة، ولفت في تدوينة على حسابه بمنصة «إكس» إلى أن إقرار قانون للميزانية الموحدة يتطلب «ثلاثة اشتراطات دستورية متلازمة»، موضحاً أن أولها ضرورة وجود «مقترح مشروع للقانون مقدم من السلطة التنفيذية لاختصاصها في ذلك».
واشترط المنفي ضرورة تشاور السلطة التنفيذية مع المجلس الأعلى للدولة قبل إحالة القانون إلى مجلس النواب الذي يجب عليه التصويت لإقرار القانون بعدد 120 نائباً. وطالب بضرورة «التوافق بين ممثلي المؤسسات الوطنية المعنية بتحديد أولويات الإنفاق العام، داعياً إلى مزيد من الحوار بالخصوص».
ما دلالات لقاء عقيلة والكبير؟
وسبق جلسة النواب لقاء هو الأول من نوعه بعد سنوات من العلاقة المتوترة بين عقيلة صالح ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير في القاهرة؛ إذ شكل ملف إقرار ميزانية موحدة محور مناقشات الطرفين، ما أعطى إيحاءً بتلقي ضوء أخضر من المصرف المركزي لإشراك حكومة حماد في الاستفادة من هذه الميزانية، كون المصرف هو الجهة الوحيدة المعترف بها دولياً لاستقبال إيرادات النفط الليبي.
فيما رأى متابعون للشأن الليبي أن اجتماع خصمي الأمس، عقيلة والكبير، تدشين لتحالف جديد في مواجهة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة؛ إذ أكد الجانبان في بيانين منفصلين أن الاجتماع «ناقش مسألة اعتماد ميزانية موحدة للدولة للعام الحالي، والقوانين المرتبطة بالقطاع المصرفي، والتنسيق مع مؤسسات الدولة».
وأعرب صالح عن «امتنانه للدور الذي قام ويقوم به المصرف للمحافظة على الاحتياطيات والاستدامة المالية للدولة». صالح وافق على مقترح الكبير نهاية فبراير الماضي لفرض ضريبة بقيمة 27 % على مشتريات العملات الأجنبية، غير أنه قوبل بانتقادات حادة من قبل الدبيبة والعديد من النخب السياسية، فيما اعتبرت مصادر برلمانية إقرار الميزانية أنه جاء بعد التوافق بين عقيلة والكبير، لأنه كان أمراً ضرورياً بعد تعثر تشكيل حكومة موحدة.
ويبدو أن ضغوط المجتمع الدولي الذي أشرف على عدة اجتماعات لدفع الأطراف الليبية إلى اعتماد ميزانية موحدة للبلاد نجحت في الوصول إلى هدفها، فقد التقت مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة من لجنة المتابعة الدولية لمخرجات مؤتمر برلين في طرابلس، كما عقد لقاء آخر في تونس بإشراف أميركي لبحث الميزانية الموحدة رغم انسحاب ممثل الدبيبة بسبب تواجد مسؤولين عن «القيادة العامة».
ورغم امتلاك ليبيا احتياطاً يزيد على 84 مليار دولار، و166 طناً من الذهب، ودخلاً سنوياً يزيد على 25 مليار دولار، وفق معلومات حكومية لكن المؤشرات تبقى غير مطمئنة على المدى القريب على خلفية الإفراط في الإنفاق، حسب توقعات خبراء مال ليبيين، ووفق بيانات مصرف ليبيا المركزي للنصف الأول من العام الجاري، سجل عجز النقد الأجنبي 8.9 مليار دولار؛ حيث بلغ إجمالي الإيرادات 9.1 مليار دولار، مقابل نفقات بلغت 18 مليارا.
يأتي ذلك بعد أيام من نفي وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» لمحتوى تقرير نشرته جريدة «إندبندنت» (النسخة العربية) عن «شبح إفلاس ليبيا» وفق تعبيرها.
تعليقات