يعود مسمى «الأطراف الخمسة» إلى التداول في المشهد الليبي، مع تكرار رهان الأمم المتحدة عليه لاستئناف مسيرة البحث عن حلول لتكسير الجمود السياسي الذي يحكم هذا المشهد، وفي السياق يجرى ترتيب الطاولة لعقد اجتماع ثلاثي، يسبقه آخر ثنائي يضم ممثلين عن مجلسي النواب والدولة في تونس، فيما يثير لقاء ثالث «انتقائي» في جنيف شكوكاً بشأن غايته.

ولم يسفر الحراك الأممي المدعوم أميركياً وأوروبياً حتى الآن عن نتائج ملموسة يمكن التعويل عليها في التوصل إلى الوصفة المقترحة لحل الأزمة الليبية، بعدما تلقت البعثة مقترحات من أطراف محلية مختلفة بعضها ينص على تشكيل حكومة انتقالية مصغرة، بناء على خريطة طريق واضحة، وآخرون يصرون على التوصل إلى اتفاق سياسي جديد، فيما يعرض فريق ثالث العودة إلى مبدأ اللامركزية وتجاوز مشكلة المؤسسات الموازية.

اجتماع مرتقب لمجلسي النواب والدولة في تونس
وخلّف تضارب المصالح بين أطراف الأزمة حالة إرباك جراء تعدد المبادرات والمقترحات ما قد يزيد من تعقيد مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ففي هذا الاتجاه يتحرك مجلسا النواب والدولة نحو عقد اجتماع في تونس لتنسيق الجهود بشأن الإشراف على تنظيم الانتخابات، بعد لقائهم الأخير الذي عُقد في مدينة مصراتة والذي اتفق على ثلاثة بنود تتعلق بمسار العملية السياسية، تتضمن إجراء الانتخابات على أساس القوانين المتفق عليها، والتحضير لملتقى موسع بين مجلسي النواب والدولة، وإطلاق عملية سياسية تيسرها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

- للاطلاع على العدد «450» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

ويعد التحرك الثنائي ممهداً لاجتماع رئاسات المجالس الثلاث «الرئاسي، والنواب، والدولة» لاستكمال ما بدأوه في القاهرة قبل شهور، لحسم الخلافات التي تحول دون إجراء الانتخابات المؤجلة. وبين القاهرة أو الرباط تتواتر الأنباء حول مكان اللقاء المقبل، غير أن الناطق باسم الجامعة العربية جمال رشدي كشف في تصريحات له نقلتها جريدة «الشرق الأوسط» أن الاجتماع سيُعقد منتصف الشهر الحالي بمقر الجامعة العربية، وهو الثاني من نوعه.

تحركات محلية وإقليمية لتجاوز النقاط الخلافية
وفي سياق تفرعات المشهد الليبي، كشف رئيس مجلس الدولة محمد تكالة، في جلسة المجلس الأربعاء، عن تواصل محلي وإقليمي ودولي يجرى حالياً بغية ضمان توفير مناخ جيد وملزم لما سيترتب عليه اللقاء الثلاثي المرتقب، الذي يتوقع البعض أن يشهد توافقاً على النقاط الخلافية المتعلقة بالقوانين الانتخابية، وإخراج حكومة تنفيذية موحدة. غير أن تكالة أكد أنه من المقرر أيضاً تفعيل ملف المناصب السيادية، كما كشف عن مبادرة جديدة لحل الأزمة، جرى العمل عليها منذ مدة طويلة من خلال جمع عديد الآراء والمقترحات.

ويبدو أن رئيس مجلس الدولة يسعى إلى التعجيل بإنجاز اختراق إيجابي يسبق انتخابات التجديد السنوية لرئاسة المجلس المقررة مطلع أغسطس المقبل، والتي قد تدفع باتجاه إعلان موقف واضح من تنحية حكومة عبدالحميد الدبيبة في حال تقلد شخصية غير تكالة المنصب، لاسيما في ظل وجود كتلة بـ61 عضواً من أصل 140عضواً تطالب بخارطة طريق جديدة، من ضمنها تغيير الحكومة الراهنة، والاكتفاء بإجراء انتخابات تشريعية فقط.

تكالة غير متحمس لتنحية الدبيبة
ويرى متابعون للشأن الليبي أن عدم تحمس تكالة لتنحية الدبيبة يعكس تقارباً بين الطرفين اللذين جمعهما لقاء مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في العاصمة طرابلس ناقش «دعم الجهود الدولية المبذولة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق قوانين عادلة ومتفَق عليها، وتوحيد الجهود المحلية لإنهاء المراحل الانتقالية» وفق بيانات منفصلة للأطراف الثلاثة، إلى جانب الاتفاق على ضرورة العمل لإجراء الإصلاحات الاقتصادية الوطنية اللازمة لتحسين أوضاع المواطنين، واستمرار الحكومة في تقديم برامج الحماية الاجتماعية، والتركيز على المشاريع التنموية.

واستبقت الجامعة العربية اللقاء الثلاثي بدعوة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» إلى العاصمة المصرية القاهرة بعد غياب استمر نحو 3 سنوات، وإن كانت مشاركته كوزير للخارجية في المؤتمر الاستعراضي الإقليمي الثاني للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، لكن زيارة الدبيبة العاصمة المصرية استفادت دون شك من التقارب بين أنقرة والقاهرة، وكان اجتماع الأخير مع أمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط مناسبة لمناقشة دعم الجهود المحلية والدولية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق قوانين توافقية، وتفعيل دور الجامعة العربية في الملف السياسي الليبي وفي دعم واستقرار ليبيا في مختلف الجوانب، حسب مصادر الطرفين.

عقيلة متمسك بتشكيل حكومة موحدة
في الجهة المقابلة، أبلغ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح خلال لقائه سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أورلاندو والقائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري، موقفه المشدد على ضرورة تشكيل حكومة موحدة في جميع أنحاء البلاد تنجز الاستحقاق الانتخابي، كما أشار إلى أن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هو السبيل لإنهاء الأزمة.

وفي هذا الوقت التقت خوري للمرة الثالثة منذ تعيينها قبل أسابيع قليلة قائد «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر في مكتبه في بنغازي، وبحثت معه «أهمية الدفع بالعملية السياسية من أجل تهيئة ليبيا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية».

وتسند المسؤولة الأممية جهود الوساطة بدعم الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ صرّح القائم بأعمال السفارة الأميركية لدى ليبيا جيريمي برنت خلال لقائه خوري: «نشجع جميع أصحاب المصلحة على المشاركة بشكل بناء في العملية السياسية من أجل التغلب على انقسامات ليبيا وصياغة خارطة طريق ذات مصداقية لإجراء انتخابات وطنية وحكم موحد». وناقشت المسؤولة الأممية مع السفير الإسباني لدى طرابلس خافيير كوينتانا تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لدعم استقرار ليبيا، وكان التأكيد على الدور الرئيسي الذي تلعبه الأطراف الفاعلة الإقليمية في دفع العملية السياسية محور لقاء جمع خوري مع القائم بأعمال السفارة السعودية لدى ليبيا أحمد الشهري.

أنصار سيف يقاطعون ملتقى أنصار النظام السابق
وفي شأن متصل أثار مركز الحوار الإنساني الذي نظم عديد اللقاءات بين مختلف الأطراف الليبية جدلاً بعدما أعلن أنصار سيف الإسلام القذافي مقاطعة لقاء يعد له المركز تحت شعار «ملتقى أنصار النظام السابق»، وسط غموض حول الشخصيات المستهدفة بالحضور، وأهداف الحوار، وعلى إثره تأجل الملتقى إلى يوم 10 يوليو الجاري، وجرى نقله من العاصمة الإيطالية روما إلى جنيف السويسرية.

- للاطلاع على العدد «450» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

ويرى البعض في التحرك الأوروبي، خصوصاً الإيطالي في هذا التوقيت، مساعي غربية لاختراق طيف أنصار النظام السابق المتمركزين جنوب وشرق ليبيا وهي مناطق معروفة بالانتشار الروسي الذي تحاول القوى الغربية تحييده.

وإذ لا يرى المواطن الليبي، الضحية الأولى للأزمة القائمة، أي خطوة على الأرض تقنعه بإمكانية قريبة لتوافق أطراف الأزمة، وتقديم تنازلات للخروج بالبلاد من وضعها الحالي عبر إنجاز الاستحقاق الانتخابي أو غيره، يظل هذا المواطن يعاني تحت ضغوط الحالة التي تعيشها البلاد.