قالت مجلة «دير شبيغل» الألمانية إن الاتحاد الأوروبي وفر الدعم لعمليات كتيبة «طارق بن زياد»، التابعة لـ«القيادة العامة» في شرق ليبيا، وهي عمليات تهدف إلى إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى ليبيا، في انتهاك للقرارات القضائية الأوروبية التي أقرت بعدم جواز إرسال المهاجرين من جديد إلى ليبيا، خوفا من تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان.
وذكرت المجلة الألمانية، في تحقيق بهذا الخصوص، أن «الأوروبيين قدموا الدعم لعمليات كتيبة طارق بن زيادة الهادفة إلى إعادة المهاجرين إلى شرق ليبيا. وفي ثلاث حوادث على الأقل، من الممكن إثبات أن «فرونتكس» والسلطات المالطية اكتشفوا أنه جرى جر مراكب للمهاجرين من منطقة البحث والإنقاذ المالطية على يد رجال خليفة حفتر، وإعادتها مجددا إلى ليبيا».
وأضافت أن «ذلك يجرى على الرغم من الاتفاقات الدولية التي تلزم الأوروبيين بتوجيه عمليات الإنقاذ إلى المنطقة المالطية، لكن في بعض الحالات جرى نقل إحداثيات قوارب اللاجئين إلى الميليشيات بشكل غير مباشر، وفي حالات أخرى بشكل مباشر، وفي إحدى الحالات يبدو أن المعلومات قد جرى فرضها عليهم تقريبًا».
وقالت «دير شبيغل»: «يبدو أن التشكيل المسلح التابع لقوات حفتر يتولى العمل القذر الذي لا يرغب الأوروبيون في القيام به. أصبح رجال حفتر أتباعا للاتحاد الأوروبي، على الرغم من حقيقة أنهم يتربحون الأموال من عمليات تهريب البشر من ليبيا».
من هي كتيبة «طارق بن زياد»؟
وذكرت «دير شبيغل» أنها قضت أشهرا في منطقة البحر المتوسط، إلى جانب منظمة التحقيق الأوروبية «لايت هاوس ريبورتس»، ومنصات: «لو موند» و«مالطا توداي» الأوروبية و«الجزيرة» القطرية و«سيراج» السورية. وتحدثت مع سبعة لاجئين زعموا أنه جرت إعادتهم قسرا إلى ليبيا على يد رجال كتيبة «طارق بن زياد»، إلى جانب مراقبة بيانات مواقع السفن، وطائرات المراقبة الأوروبية، وفحصت الرسائل اللاسلكية المسجلة والوثائق السرية.
ولفتت إلى أن نظرة سريعة على منصات «تيك وتوك» و«إنستغرام» توفر ما يكفي من المعلومات عن منتسبي كتيبة «طارق بن زياد». ففي بعض الصور يظهرون وهم يرتدون ملابس من أفخم العلامات التجارية، بينما يظهرون في أخرى يرتدون ملابس عسكرية، ويحملون بنادق وأسلحة وأجهزة رؤية ليلية.
بينما أشار تحقيق سابق، أجرته منظمة «ذا سنتري» الأميركية، إلى أن الكتيبة لم تكن تدير عمليات في البحر حتى أشهر قليلة مضت، وأنها «كتيبة تتسم بالمرونة، وتتولى مهاما جديدة في كثير من الأحيان. وخلال السنوات الماضية، نمت بشكل كبير، ويعتقد أنها تضم بين ستة وثمانية آلاف عنصر».
وقد جرى تسجيل السفينة التابعة للكتبية، التي تحمل اسم «طارق بن زياد»، من قِبل شركة في دبي. ومن غير الواضح من الذي دفع ثمن إرسالها إلى ليبيا. لكن منذ الربيع، ظل الأوروبيون يراقبون عمليات السفينة.
وفي 25 مايو الماضي، أعاد تشكيل مسلح مرتبط بقوات حفتر المهاجرين إلى ليبيا للمرة الأولى، وفقاً لتقرير سري أعدته بعثة الاتحاد الأوروبي (إيريني)، التي تقوم بدوريات في البحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين، اعترض التشكيل أكثر من 1000 شخص.
- «خطة ماتي» الإيطالية في أفريقيا.. «صندوق فارغ» أم خطة مبتكرة للمصالح المشتركة؟
- «دير شبيغل»: عناصر تابعة لقوات القيادة العامة متورطة في تهريب المهاجرين إلى أوروبا
دعم أوروبي لكتيبة «طارق بن زياد»
وسلط تحقيق «دير شبيغل» الضوء على حادث وقع في السادس والعشرين من يوليو الماضي، وقالت إنه يبرز كيف تستفيد كتيبة «طارق بن زياد» من بيانات طائرات المراقبة الأوروبية.
ففي ذلك اليوم، لم تؤكد وكالة «فرونتكس» الأوروبية وصول المهاجرين إلى ميناء آمن على عكس الإجراءات القياسية المتبعة، بل اكتفت بإبلاغ مراكز الإغاثة في إيطاليا ومالطا وغرب ليبيا بعد إرسال نداء الاستغاثة.
وكان من المفترض أن تتولى مراكز الإغاثة تلك مسؤولية تنسيق عمليات الإنقاذ، لكنها لم تستجب. ولدى التحقيق معها، قالت «فرونتكس» إنها لم تتلق أي استجابة من مراكز الإغاثة التي تواصلت معها.
وتقول «فرونتكس» إنها لم تجر أي اتصال مباشر مع «طارق بن زياد» في هذا الحادث أو في أي وقت آخر، مشيرة إلى أنها اعتبرت القارب غير صالح للإبحار، وشعرت بأن الأشخاص على متنه كانوا في خطر شديد، ولهذا السبب أرسلوا إشارة استغاثة.
وفي وقت لاحق، قبل أن تغادر الطائرة التابعة لها المنطقة بسبب تضاؤل إمدادات الوقود، أوضحت «فرونتكس» أنها زودت مراكز مراقبة الإنقاذ بإحداثيات جديدة، وأصدرت نداء استغاثة آخر، لكنها لم تتلق أي استجابة كذلك.
كتيبة «طارق بن زياد».. خفر السواحل في الشرق
وعلى الرغم من تصريحات مسؤولين أوروبيين تنفي أي تعاملات مع كتيبة «طارق بن زياد»، فإنه يبدو أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي غير منزعجين من إجراءات الكتيبة، وهو ما بدا في إحاطة داخلية لـ«فرونتكس»، اطلعت عليها «دير شبيغل»، أشارت إلى الكتيبة باعتبارها «دورية تابعة لخفر السواحل الليبي».
وفي تقرير بتاريخ السادس عشر من أغسطس، قالت «فرونتكس» إنها أرسلت موقع سفينة للمهاجرين إلى مراكز الإنقاذ والإغاثة، بما في ذلك المركز في طرابلس. ويبدو أن المسؤولين هناك مرروا المعلومات إلى رجال قوات حفتر، وهو أمر يقال إنه يحدث بشكل منتظم. وبعد ساعتين تقريبا، وصلت سفينة «طارق بن زياد» لاعتراض قارب المهاجرين في منطقة البحث والإنقاذ الليبية، بناء على المعلومات التي سجلتها «فرونتكس».
ولطالما انتقد خبراء قانون إرسال بيانات مواقع قوارب المهاجرين إلى طرابلس، لكن بدا من الواضح الآن، حسب «دير شبيغل»، أن مركز الإنقاذ في ليبيا لا يكتفي بتنبيه خفر السواحل في الغرب، بل يمرر المعلومات إلى كتيبة «طارق بن زياد» في الشرق، التي تعتمد على إجراءات وُصفت بأنها «أكثر قسوة».
- مدفوعا بالمخاوف بشأن روسيا والطاقة.. «ناتو» يتجه لتعزيز استراتيجيته في جنوب المتوسط
- مؤتمر بنغازي حول الهجرة: نرفض لعب دور الشرطي لأوروبا.. وندعو إلى قمة أفريقية عاجلة
سعي أوروبي لإقامة علاقات مع «حفتر» لوقف تدفقات الهجرة
ولفت تحقيق المجلة الألمانية إلى سعي بعض الدول الأوروبية، بالأخص إيطاليا ومالطا، لإقامة علاقات مع حفتر وقواته في شرق ليبيا. ففي بداية مايو الماضي، التقت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، حفتر بروما في مسعى لإقناعه بوقف تدفقات قوارب الهجرة غير النظامية التي تنطلق من شرق ليبيا صوب أوروبا.
كما تحدث وزير الداخلية الإيطالي عن مساعدات مالية محتملة وتدريب لكتيبة «طارق بن زياد»، وهو ما يعتبره مراقبون «نقطة تحول مهمة». كما أقر مسؤولون مالطيون علنا أنهم تعاونوا مع حفتر.
وقال مسؤول رفيع المستوى في العاصمة فاليتا، طلب عدم الكشف عن هويته، إنهم «شاركوا أيضا بيانات المراقبة مع السلطات في شرق ليبيا. وفي أواخر مايو، زار وفد من مالطا حفتر في بنغازي، وبعد ذلك جرى تكليف الجيش المالطي بالتفاوض على تفاصيل صفقة محتملة».
ومنذ وقتها، قالت «دير شبيغل» إنه «يبدو أن المسؤولين في مالطا يعتبرون كتيبة طارق بن زياد هي خفر السواحل الرسمي بالنسبة إلى شرق ليبيا. وفي إحدى الحالات، رفض المالطيون سفينة الإنقاذ البحرية الخاصة (أوشن فايكينغ)، التي تديرها منظمة (SOS Méditerranée) غير الحكومية، وبدلا من ذلك سمحوا للكتيبة بإعادة اللاجئين إلى ليبيا».
تعامل أوروبي رسمي مع قوات حفتر
وفي تبادل لاسلكي بتاريخ 2 أغسطس، الذي حصلت عليه «دير شبيغل»، يمكنك سماع رجل بلكنة مالطية يزود كتيبة «طارق بن زياد» بإحداثيات سفينة اللاجئين التي تتجه نحو منطقة البحث والإنقاذ المالطية.
وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أخيراً «تحالفا عالميا لزيادة الضغط على مهربي المهاجرين». وقالت في الثامن والعشرين من نوفمبر: «المعاناة التي لا توصف للاجئين يجب أن تتوقف. سيكون التركيز بشكل خاص على مكافحة الشبكات الإجرامية التي تجني الأموال من المهاجرين». لكن المجلة الألمانية رأت أن «الاتحاد الأوروبي يحاول تجميل جهوده الرامية إلى إغلاق الحدود، مستغلا الخطب الإنسانية».
وقالت «دير شبيغل»: «يبدو أن رجال حفتر هم الأنسب لبدء هذا التحالف العالمي. لكن من الصعب التمييز بينهم وبين المهربين في كثير من الأحيان، حيث أداروا عمليات بدت كأنها عمليات ابتزاز للحصول على أموال للحماية. بالكاد تغادر أي مراكب ميناء بنغازي من دون علم قوات حفتر».
وتشير وثيقة داخلية لوزارة الخارجية الألمانية، تلخص اجتماعًا للاتحاد الأوروبي، إلى أن «جهود حفتر لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا هي في المقام الأول ذريعة لتلقي الدعم الدولي. وفي الحقيقة، تستفيد ميليشياته من الاتجار في البشر».
تعليقات