وصفت الخارجية الأميركية بيئة الاستثمار في ليبيا بـ«الصعبة»، خصوصًا في مسألة جذب الشركات الأجنبية التي تعيقها «تهديدات الميليشيات والإرهاب» إلى جانب «البيروقراطية والفساد».
وعدَّد تقرير للوزارة عن مناخ الاستثمار في العالم للعام 2023، صدر نهاية يوليو، تحديات الاستثمار المحلي والأجنبي في ليبيا، فرغم الإمكانات العالية للبلاد التي تحتاج إلى إعادة الإعمار، فإنها تواجه بيئة استثمارية صعبة.
تهديدات الميليشيات والبيروقراطية
وحسب التقييم الأميركي، أبدت حكومة الوحدة الوطنية الموقتة اهتمامًا بجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي والتعاون مع الشركات الأجنبية، ومع ذلك، لا تزال آفاق الاستثمار الأجنبي في البلاد تعيقها تهديدات «الميليشيات غير الحكومية والمرتزقة الأجانب والجماعات المتطرفة والإرهابية»، كما أن الاستثمار مقيد بسبب «البيروقراطية والتعقيدات الناتجة عن انقسام مؤسسات الدولة واللوائح المرهقة، وانتشار الفساد في الإدارة العامة».
وأضاف التقرير أن «السلطات الليبية تتمتع بسجل طويل في عدم الامتثال للالتزامات التعاقدية والمدفوعات، فيما كانت قطاعات النفط والغاز والكهرباء والبنية التحتية الأكثر تلقيًا للاستثمار في البلاد».
انتقاد قانون الاستثمار
وانتقدت واشنطن الإطار القانوني الرئيسي لتشجيع الاستثمار الأجنبي في ليبيا، وهو قانون الاستثمار للعام 2010، الذي جرى تمريره قبل ثورة فبراير 2011 التي أزالت العديد من قيود الاستثمار الأجنبي المباشر، وقدمت حوافز مختلفة لتحفيز الاستثمار الخاص، لكن لم تصدر قوانين مهمة تتعلق بالاستثمار منذ ذلك الحين.
واستنادًا لمنظمة الشفافية الدولية والعديد من جهات الاتصال المحلية المطلعة، فإن «الفساد متجذر بعمق في ليبيا ومنتشر على جميع مستويات الإدارة العامة، فمازالت البلاد تفتقر إلى آليات واضحة للمساءلة في إدارة احتياطيات النفط وعائداته ومنح العقود الحكومية، إلى جانب تنفيذ لوائح غامضة في كثير من الأحيان، ما يمنح المسؤولين الحكوميين فرصًا كبيرة لأنشطة البحث عن الريع»، وفق التقرير.
فجوات في القانون
ويشير التقرير الأميركي إلى الفجوات في قانون الاستثمار الذي يقصر الملكية الأجنبية الكاملة للمشاريع الاستثمارية التي تزيد قيمتها على 5 ملايين دينار، باستثناء الشركات ذات المسؤولية المحدودة، ويشترط أن يكون 30% من العمال مواطنين ليبيين وأن يتلقوا التدريب.
كما لا يُسمح للمستثمرين الأجانب بتملك الأراضي أو العقارات في ليبيا، ويمكنهم تأجير العقارات موقتًا فقط، فيما يتطلب الاستثمار في «الصناعات الاستراتيجية»، خصوصًا قطاع التنقيب عن النفط والغاز في ليبيا، والذي تسيطر عليه المؤسسة الوطنية للنفط، تشكيل مشروع مشترك مع شركة ليبية تمتلك حصة الأغلبية، فليس من الواضح أي الصناعات بخلاف النفط والغاز يمكن اعتبارها استراتيجية.
واشتكت الشركات الأميركية مرارًا من بطء اتخاذ الحكومة الليبية القرارات المتعلقة بالأعمال، ورغم هذه الشكاوى، نجحت بعضها في الاستثمار في ليبيا لا سيما في قطاعي النفط والغاز وتوليد الطاقة في البلاد.
انتقاد اقتصار ملكية العقارات على الليبيين
وفيما يتعلق بحدود السيطرة الأجنبية والحق في الملكية الخاصة والتأسيس، انتقدت الخارجية الأميركية اقتصار ملكية العقارات في ليبيا على المواطنين الليبيين والشركات الليبية المملوكة بالكامل.
كما لم تخضع ليبيا لأي مراجعات حديثة لسياسة الاستثمار من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أو منظمة التجارة العالمية أو أي هيئة دولية أخرى؛ حيث لم تعرب فعاليات المجتمع المدني أو تقدم أي مراجعات مفيدة للمخاوف المتعلقة بسياسة الاستثمار، حسب التقرير.
في السياق، سلطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء على إجراءات تسجيل الأعمال في ليبيا التي وصفها بـ«الطويلة والمعقدة»؛ إذ لا تقدم الحكومة بوابة معلومات عبر الإنترنت بشأن اللوائح الخاصة بتسجيل الأعمال الجديدة أو طرق التسجيل عبر الإنترنت لتسجيل شركة جديدة.
وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجية في العام 2020 ما مقداره 205 ملايين دولار، مقارنة بـ 2.7 مليار دولار أميركي في العام 2010، وفي نظر التقرير لا تشجع الحكومة الليبية رسميًا الاستثمار الخارجي أو تحفزه، فقد أدى الإجهاد في القطاع المصرفي إلى انخفاض السيولة وأثر ذلك سلبًا على قدرة المواطنين الليبيين على الحصول على العملة الصعبة للاستثمار في الخارج، كما أدى ظهور سعر صرف موحد في يناير العام 2021 إلى تسهيل تدفقات الاستثمار الدولي إلى حد ما.
وعرج التقرير الأميركي الحكومي على الشفافية في ليبيا، معتبرًا أن لدى البلاد نظامًا تنظيميًّا غير واضح للغاية وغير شفاف وأدوار وواجبات مؤسساتها الحكومية ليست محددة بشكل جيد؛ إذ احتلت ليبيا مرتبة متدنية للغاية في مؤشر مدركات الفساد للعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وفي أحدث مؤشر وهو «سهولة ممارسة الأعمال التجارية» الصادر عن البنك الدولي جاءت في المرتبة 186 من أصل 190 دولة.
مشكلة البيروقراطية
وتعد البيروقراطية الليبية من بين الأكثر غموضًا وصعوبة للتنقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن أطرها القانونية والسياسية يصعب فهمها بنفس القدر، فغالبًا ما تخضع عملية منح التراخيص والتصاريح لتأخيرات طويلة وغير مبررة، وعادة ما تستند القرارات إلى معايير ذاتية وغير شفافة، وفق التقرير.
- شاهد في «وسط الخبر»: لجنة الموارد المالية.. باب للعدالة أم بوابة للفساد؟
- الحويج يعتمد 16 مشروعا استثماريا للقطاع الخاص بمناطق مختلفة
- «لجنة العشرة» توصي بعدم تجديد اتفاقات الاستثمار إلا بعد تعديل بند حماية المستثمرين في ليبيا
كما لا تشجع ليبيا أو تلزم الشركات بالإبلاغ عن ممارساتها البيئية والاجتماعية والحوكمة لتعزيز الشفافية، موضحًا المصدر أن ليبيا تسجل صفرًا من أصل خمسة في المؤشرات العالمية للحوكمة التنظيمية للبنك الدولي، حسب التقييم الأميركي.
وفيما يتعلق بصندوق الثروة السيادي لما يسمى بهيئة الاستثمار الليبية، أدى قرار مجلس الأمن رقم 1970 لعام 2011 إلى تجميد العديد من أصول هيئة الاستثمار الليبية خارج البلد بهدف الحفاظ عليها من خلال انتقالها بعد الثورة لصالح جميع الليبيين. وقدر تقييم أصول هيئة الاستثمار في عام 2019 قيمتها بـ 69 مليار دولار، في وقت يواصل المجتمع الدولي والاستشارات الخاصة تقديم المساعدة الفنية لهيئة الاستثمار الليبي لمساعدتها على تحسين إدارتها، بما في ذلك الالتزام بمبادئ سانتياغو، وهي مجموعة من 24 من أفضل الممارسات المقبولة على نطاق واسع لتشغيل صناديق الثروة السيادية.
تعليقات