مرة أخرى يُحي الليبيون ذكرى ثورة «17 فبراير» وسط انقسام سياسي متواصل، في انتظار نهاية قد لا تبدو قريبة لهذا الانقسام الذي يعززه انقسام موقف الأطراف الأجنبية المؤثرة تجاه الأزمة في البلاد.

وانعكاسًا لهذا التأثير شهدت الأزمة مؤخرًا حراكًا سياسيًا فسره متابعون للشأن الليبي بحالة إعادة تموضع أطراف الخارج من فرقاء الداخل، إذ استقبلت الإمارات رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، الأربعاء الذي التقى في أبوظبي رفقة مستشاره إبراهيم الدبيبة، الرئيس محمد بن زايد آل نهيان، فيما وصفه المتابعون ببوادر سياسية قد تشمل قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر ووفق المُعلن ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية، أن بن زايد أعلن اتفاقه مع الدبيبة على عودة الرحلات الجوية بين البلدين واستئناف السفارة الإماراتية عملها من طرابلس، أما المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الدبيبة فأفاد بأن بن زايد أكد خلال اللقاء ضرورة دعم الجهود الدولية لإجراء الانتخابات في ليبيا، وزيادة آفاق التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والغاز والاستثمار بين البلدين.

انفتاح الإمارات على معسكر الدبيبة
ويبدو أن الحليف الإماراتي للمشير خليفة حفتر، خطا خطوة انفتاحية مهمة على معسكر الدبيبة منذ الوهلة الأولى تطبيقا لنصيحة «عدم وضع البيض في سلة واحدة» خصوصًا منذ فشل الرهان على معركة اقتحام طرابلس عام 2019، التي قادها المشير حفتر، لذلك بادرت باستقبال رئيس الحكومة المؤقتة في 2021 ضمن أولى زياراته لدول الخليج.

ويعتمد بن زايد على أبرز ثلاث خبراء لمتابعة الملف الليبي، من ضمنهم الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني علي الشامسي والشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار الشؤون الخاصة في ديوان الرئاسة، وهم من المسؤولين الذين حضروا اجتماع الدبيبة، فقد كان الشامسي ممن استقبلوا في نوفمبر الماضي المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى جانب وجه دبلوماسي آخر يعمل في كواليس المفاوضات وكانت له زيارات عدة إلى العاصمة المصرية، وهو سالم الزعابي الذي كان جنرالا سابقًا، لكن ازدواجية التعاطي مع جناحي ليبيا أفرزت توترًا خلال الأسابيع الأخيرة بين أبو ظبي والقاهرة وفق مصادر دبلوماسية فرنسية.

وضمن صفقة أشمل، لم تستبعد مصادر ليبية مطلعة، توسُط بن زايد بين حفتر والدبيبة بهدف الوصول إلى تعديل وزاري في حكومة الأخير يشمل أهم حقائب الحكومة، في خطوة غير معلنة تعود إلى الصيف الماضي برعاية إماراتية بدأت بتعيين فرحات بن قدارة رئيسًا لمؤسسة النفط وهو شخصية مرضِي عنها من قِبل حفتر، بعد الحديث عن اجتماع بين إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر، تلتها صفقة تبادل للأسرى بين القيادة العامة و«أعيان وحكماء» مدينة الزاوية، أواخر ديسمبر الماضي، أسفرت عن إطلاق الفريق الطيار في الجيش الليبي عامر الجقم، مقابل الإفراج عن 15 أسيراً من المنطقة الغربية. وهنا شكر حفتر دولة الإمارات «لجهودها في إنجاح عملية التبادل».

للاطلاع على العدد 378 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

وقبل أيام كشف موقع أفريكا انتليجنس الفرنسي أن الدبيبة، أرسل خطاباً سرياً بتاريخ 16 ديسمبر 2022 يحمل الختم الرسمي للدولة الليبية، إلى لجنة العقوبات المفروضة على ليبيا التابعة للأمم المتحدة، يطلب فيه السماح باستلام مركبات مدرعة من دولة الإمارات.

في المقابل كشف تقرير إدارة الرقابة على المصارف والنقد بمصرف ليبيا المركزي عن تحقيق الإمارات مكسباً كبيرًا للغاية بخصوص تغطية الاعتمادات المستندية والحوالات خلال يناير 2023، فقد حازت الإمارات على نسبة 42.9 % من طلبات المصارف لشراء النقد الأجنبي حسب البلدان المستفيدة مقابل تركيا بنسبة 7,8 %.

خارطة الصفقات الاقتصادية
تركيا على الجانب الآخر، وبعدها إيطاليا لم تكونا بعيدتين عن خارطة الصفقات الاقتصادية، مع حكومة الدبيبة، وفي السياق هناك من ربط بين ذلك وإعلان وزير خارجية الوحدة نجلاء المنقوش في مؤتمر صحفي بالعاصمة التركية، الإثنين تخصيص ليبيا مبلغ 50 مليون دولار كدفعة أولى للمساهمة في إعادة إعمار جنوب تركيا، ما دفع بوكيل وزارة الخارجية بحكومة باشاغا إلى التعبير عن رفضه لهذه المنحة المالية، التي وصفها بتمويل حملة إردوغان الانتخابية.

روسيا اللاعب الرئيسي الآخر، وفي اتجاه تعزيز حضورها في ليبيا، عينت أحد ألمع خبرائها الإقليميين يدار رشيدوفيتش أغانين سفيرًا لها في طرابلس.

لقاء حفتر والمنفي.. وجولات باتيلي
وفي الداخل ظلّ الخوض في أولوية الاستحقاق الانتخابي موازيًا لحراك الخارج، فالتقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي المشير حفتر في بنغازي، حيث وجه رسائل مكررة في تصريحات له تؤكد ضرورة «تحقيق الإجماع الدولي والوطني على الانتخابات وهو ما يتطلب إنجاز القوانين التوافقية بشأنها قبل نهاية أبريل المقبل أو العمل بالتشريعات النافذة».
ودعا المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، إلى تسهيل إجراء الانتخابات من خلال اتفاق واضح وقابل للتنفيذ على إطار دستوري.

وتنقل باتيلي بين عدد من العواصم الأوروبية حيث أجرى في برلين مشاورات مع وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، حول الوضع السياسي والأمني في ليبيا، وطالب المؤسسات الليبية بالتركيز على التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال 2023، وحث المجتمع الدولي على توحيد كلمته في دعم تطلعات الشعب الليبي نحو مؤسسات شرعية، وهي الدعوة نفسها التي وجهها خلال لقائه الثلاثاء مسؤولين بريطانيين. وفي باريس قال باتيلي إنه ناقش مع وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا آخر التطورات السياسية والأمنية في ليبيا، وضرورة دعم عملية سياسية ليبية–ليبية تُسهِّل إجراء انتخابات شاملة وشفافة في 2023.

فيما تلقّى في روما مُقترحًا من نائب رئيسة الحكومة الإيطالية وزير الخارجية، أنطونيو تاياني لإنشاء جبهة دولية، تدعم الجهود الأممية بتسريع خطوات إقامة الانتخابات المؤجلة.
وكما في كل ذكرى لثورة السابع عشر من فبراير، التي أنهت نظام العقيد معمر القذافي أملاً في تحقيق دولة ديمقراطية تحكمها المؤسسات وتتداول فيها السلطة، يجدد غالبية الليبيين أملهم في تحقيق هذه الغاية، والوصول إلى إنجاز الاستحقاق الانتخابي كخطوة أولى في هذا الاتجاه، وإنهاء حالة الانقسام، والتموضع الجهوي، وما صاحبهما من انفلات أمني، وهي الحالة التي تعيشها البلاد، منذ أكثر من 10 سنوات.