قال معهد جنوب أفريقي إن موجة الأمل المستوحاة من إنجاز عملية السلام الليبية المستمرة منذ عام، بدأت في التلاشي مع تعثر المفاوضات حول إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل.
معهد الدراسات الأمنية الأفريقية ومقره في بريتوريا، اعتمد في تقرير نشره السبت الماضي على خبراء متخصصين في الشأن الليبي ليخلص إلى ما أسماه «إفراط» الليبيين والمجتمع الدولي في التفاؤل بعد تحقيق مسائل مهمة سابقاً شملت وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، واتفاقية الإطار السياسي الانتقالي، بتسليم السلطة في مارس من طرف الحكومة الغربية في طرابلس والحكومة الشرقية المنافسة في طبرق إلى حكومة وحدة وطنية.
من استغل حالة الجمود السياسي؟
ونقلاً عن مجموعة الأزمات الدولية فإن هذه مكاسب «مذهلة» لبلد غارق في حرب أهلية منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي قبل 10 سنوات؛ إذ إن إنشاء حكومة موحدة تتمتع بدعم التجمعات السياسية المتنافسة في ليبيا والتحالفات العسكرية التابعة لها وداعميها الأجانب، هو إنجاز تاريخي. ما اعتبر إنه يمهد الطريق لإعادة توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية التي انقسمت وتتقاتل بشكل متكرر منذ 2014.
لكن منذ أن أدت حكومة الوحدة الوطنية اليمين في 15 مارس 2021 تعثر التقدم وحدثت حالة جمود، كما تقول الخبيرة في الشأن الليبي سيلفيا كولومبو. وقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود في الغالب ما قد يؤدي إلى تأجيل انتخابات 24 ديسمبر، والسؤال الحاسم حول من يجب أن يكون القائد العام للجيش؟.
وأشار المعهد الأفريقي إلى انقضاء مهلة الأول من يوليو دون إجراء التعديلات الدستورية اللازمة والقانون الانتخابي الذي سيعتمده البرلمان للسماح بتنظيم الاقتراع.
ونتيجة للمأزق والتحذير المشئوم لما قد يترتب على ذلك إذا لم يتم إحياء المفاوضات بسرعة، عاد قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر إلى المسرح السياسي كما يقول التقرير، حيث ترى كولومبو إنه «استغل الجمود لإعادة إدخال نفسه في العملية السياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأصر بصوت عالٍ على أن الجيش لن يخضع أبدًا للسيطرة المدنية» وفق تعبيرها.
خيار يثير الخلاف ليس على طاولة المفاوضات
وتوضح الخبيرة أن هذا الخيار ليس على طاولة المفاوضات، حيث تقول خارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة إن المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أشخاص والذي يحكم إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية يجب أن يقود الجيش. وقد وافقت جميع الأطراف في منتدى الحوار السياسي الليبي على خريطة الطريق في نوفمبر الماضي. لكن تعتبر كولومبو «من أعراض فشل المفاوضات أن حفتر يشعر بالثقة الكافية للدعاية لمثل هذه البدعة».
وإلى جانب خطط الانتخابات، هناك عقبة أخرى تتمثل في استمرار وجود القوات الأجنبية في البلاد على الرغم من اتفاق نوفمبر الذي ينص على إلزامية أن تغادر جميعاً الآن. ومن بين هؤلاء مرتزقة سوريون على طرفي الصراع. كما لا تزال العناصر العسكرية التركية التي دعمت حكومة طرابلس السابقة حاضرة، وكذلك الشركة العسكرية الروسية الخاصة «فاغنر».
ويحذر المعهد من تسبب وجود القوات الأجنبية في تعقيد عملية الانتقال السياسي، لا سيما الجهود المبذولة لتوحيد القوات العسكرية العديدة في البلاد، إلا أنه لا يهدد خارطة الطريق، كما يقول المتخصص في شؤون ليبيا في «تشاتام هاوس» تيم إيتون، ويتفق هو وكولومبو على أن المشكلة الرئيسية تظل حول الترتيبات المتوقفة لإجراء الانتخابات.
ويصف التقرير خارطة الطريق بأنها ظلت «صامتة» بشأن العديد من القضايا من بينها التساؤل حول ما إذا كان ينبغي أن يتم اقتراع 24 ديسمبر بعد الاستفتاء على مسودة دستور أكملته لجنة منتخبة في 2017، مع إجراء انتخابات في وقت لاحق. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يجرى الاقتراع للبرلمان الجديد فقط، والذي من شأنه أن ينتخب رئيسا بشكل غير مباشر. أو يمكن للناخبين أن يختاروا البرلمان والرئيس.
وتحذر كولومبو، من أنه دون بناء مؤسسات مسبقاً، يمكن أن تكون انتخابات 24 ديسمبر مزعزعة للاستقرار. كما يحذر إيتون من أن عدم الاستقرار هذا يكون أكثر احتمالاً دون اتخاذ تدابير تضمن أن يكون التصويت حراً وعادلاً.
المجتمع الدولي لم يلق بثقل كافٍ
وتروج أوساط دولية لسبب هذا التعثر بتقديم حجة مضادة تقول أن الليبيين لا يتحلون بالصبر تجاه الديمقراطية لكن يجب السماح لهم باختيار حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن. في حين يمكن لهذه الحكومة بعد ذلك الموافقة على دستور جديد والتعامل مع بناء المؤسسات وإعادة توحيدها.
ويشكك الكثيرون في رغبة حكومة الوحدة تأجيل الانتخابات والبقاء في السلطة بعد 24 ديسمبر.ويرى إيتون وكولومبو على أن المجتمع الدولي لم يلق وزناً كافياً وراء المفاوضات من أجل ترتيبات انتخابية قابلة لأن تتم.
ويذكر إيتون أن الأمم المتحدة على وجه الخصوص «أسقطت الكرة»، ويستشهد باجتماع أخير «كارثي» لمنتدى الحوار السياسي الليبي حيث طرح رايزيدون زينينجا، نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة، فكرة تأجيل انتخابات 24 ديسمبر - أو إجراء انتخابات برلمانية فقط.
يقول إيتون إن هذا ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570، الذي ينص على وجوب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ذلك التاريخ. إذ لا ينبغي للأمم المتحدة أن تنغمس في فكرة عدم الالتزام بهذا الموعد النهائي الحاسم.
ومع ذلك، يعتقد منصف الجزيري، كبير المحاضرين في جامعة لوزان في سويسرا، وخبير في السياسة الليبية، أن الانتخابات في ديسمبر ستكون مبكرة للغاية. وقال أنه قبل إجراء الانتخابات، «يجب أولاً إعادة بناء الدولة الليبية، وتوحيد مؤسسات الدولة ومحاولة صياغة دستور توافقي». ويضيف إن إعادة بناء الدولة ستتطلب موافقة القبائل والإخوان المسلمين في ليبيا وعناصر أخرى ممزقة.
ولكن بعد أن تحدد الآن موعد للانتخابات، يبدو أن الليبيين عالقون فيها، وربما يكون الخطر الأكبر إذا لم يصوتوا في 24 ديسمبر هو أن ذلك سيخلق ذريعة لقائد القيادة العامة للإعلان عن انتهاء صلاحية الحكومة الانتقالية، على حد زعم المعهد الأفريقي.
تعليقات