لا تزال جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا غير كاملة أو منظمة، مع غياب حكومة يتوافق عليها الجميع أو برلمان يسن التشريعات اللازمة للحد من أي نشاط إجرامي، بينما يعقد استمرار الانقسام السياسي وبقاء المواجهات المسلحة بين المجموعات المتصارعة من الموقف، ويطيل أمد التخلص من آفة الإرهاب.
تقرير بريطاني حديث أكد أن استمرار الانقسام السياسي والمواجهات المسلحة «يحدان من القدرة على مكافحة الإرهاب»، على الرغم من محاولة السلطات الحد من عدد الإرهابيين في غرب وشرق البلاد. التقرير أصدره المركز الدولي لدراسة الراديكالية، التابع لكلية «دراسات الحرب» بجامعة «كينغز كوليدج» البريطانية، الإثنين الماضي، وذلك عن موضوع «جهود مكافحة الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا».
وجاء فيه أنه «من الصعب تحديد العناصر غير التابعة للدولة، التي تمثل تهديداً لها ولاستقرارها وتماسكها الاجتماعي في ضوء غياب شرعية الدولة وقدرتها على احتكار استخدام السلاح». ونبه إلى أن «الإمكانات التي يمكن استخدامها لمكافحة الإرهاب تصبح أقل مع تكرار القتال بين المجموعات المختلفة».
اعتقال مقاتلين لـ«داعش»
وتمكنت السلطات الليبية من تطبيق بعض إجراءات مكافحة الإرهاب في كل من الغرب والشرق خلال السنوات الأخيرة، وكذلك في الجنوب، حيث تم القضاء على العشرات من مقاتلي تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وفق التقرير.
ويرى التقرير أن «انقسام المؤسسات السياسية، والفساد الاقتصادي، وحالة الاستقطاب»، عوامل تؤثر على سياسات مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن البرلمان الليبي لم يصدر أي تشريعات لمكافحة الإرهاب منذ انقسام المؤسسات بين الشرق والغرب في 2013 و2014، كما لا يوجد تشريع شامل لمكافحة الإرهاب.
وأشار إلى أن القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب متضمنة في القانون الجنائي، حيث توجد مادتان تنصان على تجريم الأعمال التي تهدد الأمن القومي، بما في ذلك الإرهاب، والترويج للأعمال الإرهابية وتمويل الإرهاب. وتابع التقرير: «بينما يقوم الدبلوماسيون الليبيون بتوقيع الاتفاقات الدولية، فإن قدرتهم على تطبيقها في بلدهم شبه غائبة». ومنذ عقد أول انتخابات في ليبيا في 2012، تم طرح عدة تشريعات لمكافحة الإرهاب، مثل «القانونين رقمي 27 و53» اللذين يهدفان لحل الميليشيات غير التابعة للدولة ودمج الجماعات المسلحة في كيان جديد يمثل الدولة. وفي 2013 قام المؤتمر الوطني العام بتبني هذه القوانين ولكن لم يتم تطبيقها إطلاقاً.
ولهذا السبب، فإن ليبيا تفتقد الأساس لإصدار أي تشريعات لاحقة لمكافحة الإرهاب. وبدلاً عن ذلك، فإن البلد يشهد تطبيقاً عشوائياً لإجراءات مكافحة الإرهاب من قبل عدة أطراف مسلحة، وفق التقرير. وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً في أبريل 2021 يدعي أن المحاكم العسكرية الليبية أصدرت أحكاماً بحق المئات من المدنيين في شرق ليبيا بعد محاكمات عسكرية «سرية وغير عادلة بشكل كبير».
إجراءات المحاكمات العسكرية شملت مدنيين تم استهدافهم فقط «بسبب انتقادهم للجيش الوطني الليبي والميليشيات التابعة له»، وفق التقرير، مشيراً إلى أنه في الفترة بين يناير 2018 وأبريل 2021 صدرت أحكام بالإعدام بحق 22 شخصاً على الأقل وتم سجن المئات.
وبسبب الهيمنة الكبيرة للميليشيات «المستقلة» في ليبيا مثل «قوة الردع الخاصة»، فإن الأفراد يتم اعتقالهم من قبل الجماعات المسلحة بزعم اتهامهم بالإرهاب ولا يتم إخطارهم بحقوقهم أو منحها لهم. وعلى الرغم من إصدار عدة تعديلات قانونية، فإن مجلس النواب وحكومة الوفاق السابقة لم يقدما استراتيجيات شاملة لمكافحة الإرهاب. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت صورة متضاربة نسبياً في غرب البلاد. فعلى الرغم من الجهود المكثفة لمكافحة الإرهاب والقبض على عدد كبير من المشتبه فيه، إلا أن الملاحقة القضائية لم تطل سوى أعداد قليلة ممن يستحقون الملاحقة. ويرى التقرير أن «الميليشيات المرتبطة بشكل غير رسمي بالدولة تتصرف على أساس أنها أجهزة أمن تنفيذية وتقوم باعتقال المتهمين بالتورط في الإرهاب. وهذه الميليشيات عادة ما تتصرف بشكل محلي بعيداً عن أية آليات للتنسيق مع مؤسسات مركزية».
غياب قوة عسكرية موحدة
وشدد على عدم وجود قوة عسكرية ليبية موحدة «ولكن تشكيلة من المجموعات المسلحة تحت قيادة المشير خليفة حفتر، إلى جانب عدد آخر من الميليشيات تتمتع بالنفوذ في مناطق أخرى من البلاد. ولذلك، فلا يوجد أي تفاهم أو تعاون بشأن تحديد المجموعات أو الأفراد الذين يجب مواجهتهم في ظل خطة لمكافحة الإرهاب. في نفس الوقت، فإن الحديث عن مكافحة الإرهاب ينتشر في مختلف أرجاء ليبيا وتتولى كل الجماعات المسلحة مسؤولية تطبيقه».
انتهاكات في السجون
ووفقاً لبعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في ليبيا، يوجد ثلاثة أنواع من المحتجزين في سجن معيتيقة بطرابلس، متهمين بارتكاب جرائم عادية مثل السرقة والمخدرات والدعارة، ومتهمين في قضايا إرهابية، ومراهقين وشباب أحضرتهم أسرهم لعقابهم. ويعتبر «السجناء المتهمون بالإرهاب الأكثر عرضة للانتهاكات في معيتقة»، وفقاً للأمم المتحدة.
وفي شرق ليبيا، يوجد سجن آخر سيئ السمعة في الكويفية ببنغازي، وهو يتكون من ثلاثة أقسام مستقلة يضم الأول المتهمين بجرائم أمنية أو إرهابية وهؤلاء محتجزيون في الجناج العسكري تحت النفوذ المباشر للجيش الوطني أو في جناح أمني داخلي تديره المخابرات العامة. وأشار التقرير إلى الحصول على معلومات موثقة عن أن «ما يجرى في الكويفية أصعب من تلك التي يشهدها سجن معيتقة، كما أن هناك العديد من التقارير التي تفيد بوقوع تعذيب واحتجاز خارج إطار القانون»
التعاون الدولي والإقليمي
وفيما يتعلق بالتعاون الدولي والإقليمي، فإن لجوء عدد من الأطرف المحلية إلى دعم خارجي للاشتراك في جهود مكافحة الإرهاب والتهديدات المختلفة كشعار فقط، بينما الهدف الرئيس هو الحصول على مزيد الدعم الدولي. الولايات المتحدة بدورها كانت أهم شركاء حكومة الوفاق في مكافحة الإرهاب، ودعم جهود احتواء تنظيمي «داعش» و«القاعدة» بطرق متعددة. وتبدو الاستراتيجية الأميركية أكثر صعوبة «في بلد يفتقر إلى حكومة شرعية وهياكل عسكرية رسمية.
وقد اشتركت حكومة الوفاق في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، ونسقت مع الولايات المتحدة للقيام بضربات جوية دقيقة على أهداف تابعة لداعش في جنوب ليبيا في 2019. كما تقوم واشنطن بتوفير التدريب لعناصر الأمن في المطار والحدود، وهو نفس ما قامت به بريطانيا والاتحاد الأوروبي».
الدور الأميركي
وبينما تتركز جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على غرب ليبيا، وجنوبها، فإن الخارجية الأميركية تدعي أن تعاون محدود في نفس المجال يجري في الأجزاء الشرقية الواقعة تحت سيطرة قوات القيادة العامة. وفي يناير 2020، أكد قائد القوات الأميركية في أفريقيا، الجنرال ستيفين توانسيند، التزام قواته بمكافحة المجموعات المتشددة المسلحة في ليبيا وأجزاء أخرى من أفريقيا، ووصف ليبيا بأنها مجال محتمل للمنافسة مع قوى دولية أخرى. وبجانب التعاون مع الدول الغربية والشركاء الدوليين، فإن حكومة الوفاق اعتمدت كذلك على الحلفاء الإقليميين، وكانت تركيا الطرف الأكثر أهمية.
وقامت أنقرة بتوفير التدريب للقوات التابعة لحكومة الوفاق منذ نهاية العام 2019، وذلك في أعقاب توقيع مذكرات تفاهم بشأن التعاون العسكري والحدود البحرية. وبالنسبة لقوات القيادة العامة، فإن مكافحة الإرهاب كانت المبرر الرئيسي للحملة العسكرية التي بدأتها في 2013، والمعروفة بـ«عملية الكرامة». كما تسعى قيادة الجيش الوطني إلى كسب الدعم الدولي أساساً عبر إبراز دورها في مكافحة الإرهاب، بحسب التقرير.
الدور الفرنسي
ومن بين الدول الغربية، تعتبر فرنسا الداعم الأكبر للجيش الوطني الليبي، مقابل مصر على المستوى الإقليمي. وحصلت القاهرة على دعم لتدخلها في الشؤون الأمنية الليبية في يوليو 2020 من مجلس النواب بعد الموافقة على قرار يسمح لمصر بالتدخل عسكرياً.
جهود غير كافية
وأكد معدو التقرير أنه «في مواجهة ظروف الانقسام في ليبيا وغياب سلطة مركزية لمكافحة الإرهاب، فإنه من الواضح أن هذه الجهود تبقى محدودة. وتقوم الأطراف المختلفة بتوظيف مكافحة الإرهاب لدعم مصالحها الشخصية وشرعيتها الدولية». وبينما تراجع نفوذ تنظيم «داعش» منذ العام 2016، فما زال هناك احتياج لمواصلة جهود مكافحة الإرهاب، مع الوضع في الاعتبار حالة عدم الاستقرار على المستويين الداخلي والإقليمي وكذلك اتساع الأراضي الليبية، وهو ما يسمح للمنظمات غير الشرعية بحرية نسبية للحركة. ومن الملحوظ أن الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة تركزت في المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش الوطني الليبي، أكثر مما هو عليه الحال في مناطق غرب ليبيا. ويعود السبب في ذلك إلى أن مناطق شرق ليبيا أكثر اختراقاً من قبل الجماعات السلفية الجهادية مقارنة بغرب ليبيا. كما أن استمرار هذا النشاط الإرهابي يطرح تساؤلات بشأن مدى فاعلية الإجراءات القاسية والعشوائية التي يقوم بها «جيش ليبيا» لمكافحة الإرهاب.
توصيات
وأوصت الدراسة حكومة الوحدة الوطنية الليبية بإصدار تشريعات واضحة لمكافحة الإرهاب، لأن «غياب مثل هذا التشريع سمح للأطراف المختلفة باتخاذ إجراءات متباينة لمكافحة الإرهاب وفقاً لرؤية كل طرف، وهو ما يؤدي لجهود عشوائية في هذا المجال وغياب المحاسبة».
كما دعت إلى ضرورة المحاسبة والإشراف على أماكن الاحتجاز والسجون في ليبيا. «فبينما تفيد التقارير الليبية بوجود جهود لمكافحة التطرف وإعادة التأهيل كما هو الحال في السعودية، فإنه لا يمكن تقييم هذه الجهود بشكل مستقل بسبب عدم إمكانية الوصول لأماكن الاحتجاز». كما تفيد الأدلة بأن ما يتعرض له المحتجزون من التعذيب وأشكال أخرى من إساءة المعاملة تزيد من فرص تبني الأفكار المتطرفة. وبالتالي لا بد من التمسك بالمطالبة بالوصول لأماكن الاحتجاز والسماح بإجراءات للتقييم.
وأخيراً، دعا التقرير صناع القرار في الدول الغربية إلى تنسيق سياساتهم في مجال مكافحة الإرهاب في ليبيا، «فالدعم الذي تقدمه أطراف دولية مختلفة يخلق حافزاً للدفع نحو استمرار الوضع القائم ومزيد التسليح للأطراف المحلية. كما يجب على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عدم التقليل من تأثير المنافسة الدولية على جهود مكافحة الإرهاب في ليبيا».
تعليقات