حسمت كيانات عسكرية وتشكيلات سياسية ومن المجتمع المدني مبكرا موقفها من مخرجات اجتماع جنيف بشان إيجاد قاعدة دستورية للانتخابات، فيما وضع آخرون شروطا من قبيل توحيد مؤسسة الجيش قبل التوجه نحو تاريخ 24 ديسمبر، وسط تشنج داخل لجنة الحوار بين معارض لمناقشة مقترحات جديدة واتهام البعثة الأممية بمنح مساحة للمعرقلين وانسحاب أعضاء آخرين ليتراجعوا عن القرار لاحقا.
وعلى مدار أربعة أيام من جلسات ملتقى الحوار السياسي في جنيف سجل تباين كبير في الآراء بشأن مقترح قدمته اللجنة الاستشارية المنبثقة عن الملتقى بشأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية ، وصل إلى حد تبادل الاتهامات بين الأعضاء وللبعثة الأممية بالتراجع عما تم الاتفاق عليه في جلسات سابقة، بإصدار مسودة جديدة، مؤكدا آخرون أن أطرافا يهدفون إلى محاولة عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها.
رسالة الـ16 إلى كوبيش
وعبر 16 عضوًا من ملتقى الحوار السياسي، مساء الأربعاء، في مراسلة إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تفاجئهم في جنيف بوجود مقترح جديد للقاعدة الدستورية «تمت صياغته في تجاهل تام للتوافقات والجهد المبذول في مقترح اللجنة القانونية» للملتقى الذي أحالته لمجلسي النواب والدولة شهر مايو.
وبرد غير مباشر عبر الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة يان كوبيش عن استيائه من عدم موافقة مجلس النواب على مقترح القاعدة الدستورية السابقة، ما فهم ان المسئول الاممي لجيء إلى مقترح آخر لتجاوز حالة الانسداد.
ونص المقترح محل النزاع أنجز من طرف اللجنة الاستشارية المجتمعة بتونس في نهاية الأسبوع وشدد على تمكين أي مترشح لمنصب رئيس الدولة سواء أكان عسكريا أو سياسيا من خوض الاستحقاق شرط الاستقالة بعد فوزه الأمر الذي يعني عودة اغلب الوجوه المتصدرة للمشهد السياسي خلال العقد الأخير عبر صندوق الاقتراع. كما نص على انجاز الانتخابات باعتماد نظام القوائم في اختيار الرئيس ونائبه ورئيس الحكومة، إلى جانب توصية بتمثيل المرأة في الهيئة التشريعية بـ 30 بالمائة.
أسئلة حتى موعد الانتخابات
وانتقدت بشدة عضو ملتقى الحوار، الزهراء لنقي، مطالبتهم في «الربع الأخير من السباق بتقديم مقترحاتٍ جديدةٍ، على الرغم من تعارضها مع خريطة الطريق»؛ معتبرة ذلك «جهدٌ لا طائل من ورائه». وقالت في بيان لها أن رئاسة بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في ليبيا أتاحت مساحة للمعرقلين لإثارة أسئلة حتى عن الموعد المحدد للانتخابات وأيضا معظم المقترحات الجديدة الآن أعادت طرح موضوع الاستفتاء وعليه، فلم يعد يوم 24 ديسمبر يتعلق بالانتخابات بل أصبح يتعلق بالاستفتاء.
وأوضحت لنقي انه في محادثات جنيف الأولى لاختيار السلطة التنفيذية كنا نواجه جبهتين وهما سلطة الوضع الراهن والمال السياسي. وفي تلك المحطة، تمكنا من تغيير الوضع الراهن جزئيا. أما اليوم في جنيف 2، فتأسفت عضو اللجنة بمواجهة ما اسمته «جبهة معرقلة قوية وموحدة وهي سلطة المال السياسي و سلطة الوضع الراهن»!
انسحاب الفريق البرقاوي
بدورها أكدت عضو اللجنة القانونية في ملتقى الحوار السياسي، آمال بوقعيقيص، انسحاب الفريق البرقاوي مجتمعا مساء الأربعاء من اجتماع جنيف. وقالت بوقعيقيص، في بيان عبر صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك»، «غابت ستيفاني (المبعوثة الاممية السابقة الى ليبيا) فتبدد الحوار وبجلسة المساء انسحب الفريق البرقاوي مجتمعا لغياب المعايير في التعاطي مع مقترحات الحلول وبعد تهديدنا بعقوبات المعرقلين». وأضافت بوقعيقيص، كان ردنا «نحن من سيقدم الشكوى مجتمعين ضد عدم احترام البعثة لمنهجية العمل»، مشيرة إلى أنه تم التراجع عن التهديد والهدنة والدعوة للالتئام مجددا.
وتحسبا لما قد ينتج عن اجتماع جنيف ، أستبق الملتقى العسكري الأول المخرجات وعبر عن رفضه بشأن إيجاد "قاعدة دستورية مشوهة» لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية لا تلبي «طموحات الشعب الليبي ولا تحافظ على المسار الديمقراطي والدستوري».
الملتقى العسكري الأول
وعقد في العاصمة طرابلس، الأربعاء، الملتقى العسكري الأول، بمشاركة لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، برئاسة كمال الجمل، وأعضاء بالمجلس بينهم فوزي النويري النائب الأول لرئيسه، وفق بيان للملتقى. و شارك في الملتقى قادة في الجيش، وعبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، وأحمد أبو شحمة، عضو اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) عن حكومة الوحدة. وأكد الملتقى العسكري في بيانه الختامي على «ضرورة البدء في توحيد المؤسسة العسكرية، قبل إجراء الانتخابات لضمان نجاحها».
ويؤكد مراقبون أن المقصود من رفضها إمكانية إقرار قاعدة دستورية تتيح شروطها لشخصيات عسكرية الترشح لرئاسة البلاد امتدادا للخلافات أخرى بين شرق وغرب البلاد على تولي منصب وزارة الدفاع.
انتخابات دون دستور
وعلى المنوال ذاته، سار عمداء بلديات ومجالس الحكماء والأعيان ومؤسسات المجتمع المدني بمدن الساحل والجبل بغرب ليبيا في طريق المطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية عن طريق الدستور المجهز للاستفتاء عليه، معبرين عن «رفضهم القطعي لما تضمنته مسودة جنيف للقاعدة الدستورية».
واستنكرت أيضا الهيئة الطرابلسية وهي تجمع أهلي وهيئة اجتماعية وعدد من النشطاء والخبراء والأعيان من مدينة طرابلس، «توجيه دفة الحوار إلى انتخابات رئاسية دون اعتماد دستور»، متوعدة بقبولها «إلا بانتخابات تشريعية تُجرى على أساس الإعلان الدستوري». كما أعلن ما يسمى بحراك «ليبيا تنتخب رئيسها» رفضه القاطع التمديد لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بأي شكل من الأشكال، وحملة التمديد التي قال إن مجموعة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي تقودها.
وأوضح في بيان له، أن يوم 24 ديسمبر هو «يوم انتخاب السلطات التشريعية والتنفيذية عن طريق الانتخاب السري المباشر ولا يمكن التراجع عنه أو القبول بتأجيله». وشدد على رفض «كل محاولات الالتفاف والتدجين باقتراح انتخابات رئاسية بنظام القوائم و برلمان من غرفتين»، داعيا لإجراء الانتخابات وفق الاتفاقات السابقة بالانتخاب المباشر للرئيس، ومجلس تشريعي واحد يمثل كل الليبيين.
ثلاث خيارات لتجاوز الأزمة
وحمّل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مسؤولية الفشل في إقرار القاعدة الدستورية، لقبولها تحويل مسار جلسة ملتقى الحوار عن هدفها ومبتغاها، بحسب البيان، مطالبًا إياها بتوسيع دائرة الحوار والمشاركة وأن تعلن أسماء المعرقلين فور انتهاء الجلسة الحالية بوصفهم أعداء للديمقراطية وللشعب الليبي.
وفيما حدد الفاتح من يوليو الجاري كآخر أجل لاعتماد قاعدة دستورية لانجاز الاستحقاق الانتخابي ، يبقى الباب مفتوحا أمام ثلاث خيارات لتجاوز الخلافات حيث يتعين على أعضاء الملتقى السياسي الفصل فيها وتقضي بالتمديد لعمل حكومة الوحدة لسنة إضافية مع تأجيل الانتخابات إلى ما بعد 24 ديسمبر. وخيار ثاني الإبقاء على إجراء انتخابات برلمانية فقط في التاريخ المتفق عليه بخارطة الطريق ليكون من مهام السلطة التشريعية الجديدة التصويت على دستور للبلاد والتوجه نحو الرئاسيات أما الخيار الثالث العمل على تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي بالية القائمة مع إجراء انتخابات تشريعية.
تعليقات