بعد أيام من الانتظار والترقب بين توافق وتضارب التوقعات بشأنه، انفض مؤتمر برلين في نسخته الثانية، وتمخض عن «استنتاجات» من 57 بندا، يمكن اختزال أبرزها في التركيز على التشديد على موعد الانتخابات وفق ما حددته خارطة الطريق المنبثقة عن الحوار السياسي الليبي، وهو 24/12/2021 وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وتوحيد مؤسسات السلطة التنفيذية، والدعوة لتوزيع عادل للثروة، ودعم المطالب بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، والتصدي لانتهاكات حقوق الانسان، والتعجيل باعتماد قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وخرج بـ«تفاهمات» بين روسيا وتركيا بشان سحب «مقاتلين» في غياب «ضمانات» تنفيذها، وتحاشى المشاركون إقرار عقوبات قانونية ضد معرقلي القاعدة الدستورية، في انتظار ما سيسفر عنه اجتماع أعضاء الملتقى السياسي في جنيف الأسبوع المقبل.
وحاول المؤتمر تجنب الوقوع مرة أخرى فيما يمكن تسميته فخ «برلين 1» في يناير، حين غابت الإشارة الإجراءات الملزمة، وحافظ الوجود الأجنبي على تعزيز مواقعه على الأرض، وسط هدفين رئيسيين الآن من مشاورات شاركت فيها 17 دولة، أبرزها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والإمارات ومصر والمملكة المتحدة والمغرب والجزائر، و4 منظمات إقليمية ودولية تقضي بتمسك دولي بانسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، والمضي قدما في مسار انتخابات ديسمبر.
ليبيا تنضم إلى «برلين 2»
وانضمت ليبيا هذه المرة إلى المؤتمر ممثلة في رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبد الحميد الدبيبة ووزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، وفي مداخلته خلال أعمال المؤتمر، طالب الدبيبة بمساعدة دولية لسحب االمرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، التي يهدد الوضع الأمني فيها بتقويض الانتقال السياسي، موضحا أن «هناك مخاوف أمنية على العملية السياسية ترتكز على السيطرة المسلحة المباشرة للمرتزقة في بعض المناطق، ووجود قوى عسكرية لها أبعاد سياسية في عدد من المناطق الليبية، ووجود لبعض العناصر الإرهابية».
لمطالعة العدد 292 من جريدة الوسط انقر هنا
واستقبل وزير الخارجية الألماني هايكو ماس مطالب الدبيبة بالإعراب عن تفاؤله حيال«إمكانية نجاح الانسحاب المنشود لجميع المقاتلين الأجانب من ليبيا»، لكنه أقر في نفس الوقت بأن هذه الخطوة لا يمكن أن تحدث إلا بشكل تدريجي، مشيرا إلى أن الطريق إلى السلام ليس عدوًا سريعًا بل إنه سباق ماراثون.
وكشف ماس، بشكل رسمي لأول مرة، عن «تفاهم بين الجانبين الروسي والتركي لبدء الانسحاب حيث ستكون عملية متوازنة خطوة بخطوة»، لكنه لم يجب بوضح عن سؤال يتعلق بالضمانات التي يمكن أن تقدمها الدول المعنية لسحب المقاتلين الأجانب، مكتفيا بالإشارة إلى «إنهم شاركوا في المؤتمر لهذا الغرض».
توترات خلف الكواليس
وفي مؤشر على وجود توترات خلف الكواليس حاولت الوفد التركي إزالة أي ذكر لانسحاب «القوات الأجنبية» مفضلة قصر الإشارة على المرتزقة أو المسلحين وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية بريطانية، فيما ترفض روسيا والإمارات الاعتراف علنا بإرسال مرتزقة إلى ليبيا.
وفي السياق نقل عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية يرافقون الوزير، أنتوني بلينكن في جولته الأوروبية، لقناة «الحرة» الأمريكية، الأربعاء، أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ، أو تفاهما بين روسيا وتركيا على بدء مناقشة انسحاب مجموعة مكونة من 300 «مقاتل سوري» من كلا الجانبين، مشيرين إلى أن «عملية الانسحاب ليست جاهزة بعد، لكن الأطراف بدأت مناقشات أولية»، وسط شكوك متبادلة من الطرفين.
لمطالعة العدد 292 من جريدة الوسط انقر هنا
واللافت خلال المؤتمر تخفيض موسكو مستوى تمثيلها الدبلوماسي بغياب وزير الخارجية، سيرجي لافروف، ليحل محله نائبه سيرغي فرشينين، الذي اعتبر في كلمة له أن «الوضع في ليبيا يتطور بالاتجاه الصحيح»، مشددا على أهمية «تقليص الوجود الأجنبي والحد من الوجود المسلح بشكل مدروس»، أما تركيا، فقد أعلنت الأربعاء عن مواصلة أفراد جيشها «تقديم التدريبات العسكرية للقوات المسلحة الليبية، ضمن إطار اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية الموقعة بين البلدين، نواصل تدريب القوات المسلحة الليبية» حسب بيان لوزارة الدفاع التركية.
ملاحظات حول الوثيقة الختامية لـ«برلين 2»
ويرى متابعون للشأن الليبي أن الوثيقة الختامية للمؤتمر المعنونة بـ«استنتاجات» كانت عائمة بشأن الأساس الدستوري للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، ما قد يوفر مجالا لمزيد من تأخير الاستحقاق.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في كلمة مسجلة له على «إتاحة الفرصة لكل الليبيين للمشاركة في الانتخابات بنزاهة وحرية، مطالبا مجلس النواب الليبي بتوضيح الأسس التي ستقام عليها الانتخابات، واعتماد مشروع الميزانية العامة».
وكان رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة أعلن في كلمته خلال افتتاح المؤتمر، وكأنه يعقب على كلمة غوتيريش، أن «الانتخابات على بعد ستة أشهر لكن الصراعات الداخلية ما زالت قائمة، ولم يعتمد البرلمان ميزانية الحكومة بعد ولم يتم اختيار المناصب السيادية».
لمطالعة العدد 292 من جريدة الوسط انقر هنا
وتسعى الولايات المتحدة تحت رعاية اممية باتجاه تمكين منتدى الحوار السياسي الليبي بشكل واضح في اجتماع الأسبوع المقبل في جنيف على وضع الأساس الدستوري للانتخابات، وبالتالي إزالة الحاجز البرلماني، في شأن متصل انتقدت منظمة «هيومن رايتش ووتش» تجاهل ألمانيا والمشاركون في المؤتمر أولوية مساءلة الحكومة بشان التزامات حقوق الإنسان معتبرة أن القضايا الرئيسة التي يجب حلها قبل الانتخابات ضمان تسجيل أكبر عدد من الناخبين الليبيين المؤهلين داخل وخارج البلاد، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين داخليًا، وآلاف المحتجزين تعسفيا دون محاكمة، ومئات الآلاف الموجودين في الخارج إضافة إلى إجراء تدقيق مستقل لسجل الناخبين وتقديم خطة أمنية معقولة على الفور.
إذن، انفض مؤتمر برلين (2) دون أن يجيب عن عديد الأسئلة، على رأسها، ما الجديد الذي أضافه إلى برلين الأول.. وما ضمانات إلزام المعنيين بتنفيذ مخرجاته؟
تفاصيل ص 3
تعليقات